نجح باحثون في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن السعودية في إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر تطوير نموذجٍ واعد يجمع بين مصادر الطاقة المتجددة والوقود المشتقّ من النفايات، مدعومًا بأنظمة استرجاع حراري واحتجاز الكربون، لتعظيم الإنتاج وخفض التكلفة والانبعاثات، في خطوة تنسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

إنتاج الهيدروجين الأخضر بتقنية سعودية

ويقدّم باحث ما بعد الدكتوراه بمركز الأبحاث متعدد التخصصات لأنظمة الطاقة المستدامة بجامعة الملك فهد، الدكتور محمد ناصر، تصورًا متكاملًا لمنظومة “كهرو-حرارية” لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

وتستند هذه المنظومة على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتوليد الكهرباء باستعمال وقود حراري مشتق من المخلّفات البلدية (RDF) أو الإطارات (TDF)، لتوفير البخار المطلوب لتشغيل محلل كهربائي عالي الحرارة (SOEC)، والتي تهدف في النهاية إلى تعزيز جهود خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.

كما يدمج النظام محرك ستيرلينغ لتحويل الحرارة المُهدَرة إلى كهرباء إضافية، إلى جانب وحدة احتجاز ثاني أكسيد الكربون لخفض الانبعاثات.

مضاعفة القدرة الكهربائية

وتسعى السعودية إلى ترسيخ مكانتها بصفتها أحد أكبر منتجي ومصدّري الهيدروجين الأخضر عالميًا، إذ تستهدف وتشمل إنتاج 2.9 مليون طن سنويًا من الهيدروجين بحلول عام 2030، ترتفع إلى 4 ملايين طن سنويًا بحلول 2035، مدفوعة بمشروعات عملاقة مثل نيوم للهيدروجين الأخضر في مدينة أوكساچون.

وتُعدّ المحللات الكهربائية حجر الزاوية في إنتاج هذا الهيدروجين، ويبرز منها نوعان رئيسان:

محلل PEM (غشاء تبادل البروتونات): يعمل في درجات حرارة منخفضة، ويوفر استجابة سريعة وهيدروجينًا نقيًا، لكنه مرتفع التكلفة ويتطلب ماءً نقيًا جدًا.

محلل SOEC (خلية بأكسيد صلب): يعمل في درجات حرارة عالية تصل إلى 900 درجة مئوية، مما يمنحه كفاءة حرارية فائقة وقدرة على استعمال بخار الماء، لكنه يتطلب نظامًا حراريًا معقدًا، ويقلّ استقراره عند تقلبات الطاقة.

وفي النموذج المطوّر، اختُبِرَت 6 سيناريوهات مختلفة تجمع بين نوعَي الطاقة (رياح أو شمس)، ونوعَي المحلل PEM أو SOEC، ونوعَي الوقود RDF أوTDF.

وأظهرت النتائج أنه عند القدرة الكهربائية نفسها، يضاعف محلل الـSOEC إنتاج الهيدروجين مقارنةً بمحلل الـPEM، فمثلًا في منظومة الطاقة الشمسية، ارتفع الإنتاج السنوي من 33.2 طنًا مع PEM إلى 69.5 طنًا مع SOEC، أمّا في منظومة الرياح، فقفزَ الإنتاج من 41.5 طنًا إلى 86.5 طنًا.

وتبيّنَ أيضًا أن توربينات الرياح تتفوق سنويًا في التوليد الكهربائي على الخلايا الكهروضوئية بموقع الدراسة (الظهران)؛ ما ينعكس على كمية إنتاج الهيدروجين الأخضر.

تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر

وتعليقًا على جهود خفض تكلفة إنتاج هذا الهيدروجين، يقول الدكتور محمد ناصر في تصريحات إلى منصة الطاقة: “إنه بفضل استعمال الحرارة المسترجعة من غازات العادم عبر 3 مبادلات حرارية، واستغلالها في محرك ستيرلينغ لإنتاج كهرباء إضافية، بالإضافة إلى كفاءة وحدة احتجاز الكربون، انخفضت تكلفة الكيلوغرام من الهيدروجين (LCOH) إلى 2.8–5.1 دولارًا، مقارنةً بخط الأساس المعتمد على PEM، بانخفاض بلغ 34.8–41.2 بالمئة.

كما سجّل النظام أقصر مدة استرداد للتكلفة عند 7 أعوام في سيناريو الطاقة الشمسية مع محلل SOEC ووقود TDF، في حين تراوحت الأوقات بباقي السيناريوهات بين 7 و14 عامًا، ما يمنح المستثمرين أفقًا اقتصاديًا أكثر جذبًا في هذا القطاع الحيوي.

وعلى المستوى البيئي، نجح النظام في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 46.2 طن سنويًا، بفضل كفاءة احتجاز كربون بلغت 90 بالمئة.

كما كشفت الدراسة ميزة واضحة لوقود TDF المشتق من الإطارات، بفضل قيمته الحرارية الأعلى، إذ انخفض معدل استهلاك الوقود إلى 0.22 كيلوغرام هيدروجين مقارنةً بـ0.37 كيلوغرامًا مع المخلّفات البلدية الـ RDF، ما يقلّل التكاليف التشغيلية ويرسّخ مبدأ الاقتصاد الدائري.

إنتاج الهيدروجين الأخضر وريادة السعودية

وأكد الدكتور محمد ناصر، أن أهمية هذه التقنية تكمن في قدرتها على معالجة تحدّيين محليّين في آنٍ واحد: ارتفاع كميات النفايات في المدن الكبرى، والحاجة إلى تسريع التحول الطاقي بتكلفة منافسة عالميًا.

وأضاف أنه مع وفرة طاقتي الشمس والرياح، وإمكان تكييف وقودي الإطارات والمخلّفات البلدية محليًا، تبدو السعودية في موقعٍ مثالي لتبنّي هذا النموذج لإنتاج هذا الهيدروجين وتحويله إلى فرصة استثمارية.

ولفت إلى أن نتائج هذه الدراسة لا تقتصر على إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة أرخص، ولكنها تقترح منظومة متكاملة لخفض الانبعاثات، وتوظّف الموارد المحلية.

وأضاف أن هذه التقنية تقدّم خيارًا تنافسيًا على الساحة العالمية في أسواق التصدير، ولا سيما في ظل اشتراطات الحياد الكربوني بالأسواق الأوروبية والآسيوية؛ ما يمهّد الطريق للمملكة لتصبح مركزًا عالميًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر في العقد المقبل.

المصدر: مواقع إلكترونية

اقرأ أيضاً…إنتاج الهيدروجين الأخضر من مياه الصرف الصحي.. تقنية مصرية

صفحتنا على فيس بوك