مع تصاعد المنافسة العالمية في قطاع الطاقة النووية، بات معدن الثوريوم في دائرة الضوء، وبرز خياراً واعداً يحمل في طياته إمكانات هائلة خاصة مع تنامي الحاجة إلى مصادر طاقة أكثر أماناً واستدامة ليطرح نفسه بديلاً محتملاً لليورانيوم في صناعة الطاقة النووية.

اكتشاف الثوريوم

وعلى الرغم من وفرته، فقد بقي الثوريوم لعقود طويلة في الظل، بعيداً عن السباق النووي، إذ ما يزال أسير الحسابات الاقتصادية والسياسية، وسط سيطرة اليورانيوم على المشهد النووي العالمي.

فمنذ اكتشافه على يد الكيميائي السويدي “يونس ياكوب بيرسيليوس” في عام 1828، وهو يثير فضول العلماء بخصائصه الفريدة، لا سيما أنه أكثر وفرة من اليورانيوم بـ 3 أضعاف.

ما هو معدن الثوريوم؟

والثوريوم هو معدن طبيعي فضي اللون ذو نشاط إشعاعي طفيف، ويوجد بكميات ضئيلة في معظم الصخور والتربة، ويبرز “الثوريوم-232” كونه النظير الطبيعي الوحيد له.

ومن خصائصه أنه يتحلل ببطء شديد، إذ يبلغ عمره النصفي المدة التي يستغرقها نصف كمية عنصر مشع معين ليتحلل إشعاعياً إلى عنصر آخر نحو 3 أضعاف عمر الأرض.

وبحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، عندما يتحلل الثوريوم تتكون كميات ضئيلة من نظائر أخرى، مثل الثوريوم-228 والثوريوم-230 والثوريوم -234، لكنها تبقى هامشية من حيث الكتلة، إذ يتحلل في النهاية إلى الرصاص-208.

والثوريوم-232 ليس وقوداً نووياً في حدّ ذاته، أي لا يمكن الاعتماد عليه مباشرة في المفاعلات النووية، ويتطلب محفزاً مثل اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239، لكنه خصب للانشطار، فعندما يمتص نيوتروناً يتحول إلى اليورانيوم-233، وهو وقود انشطاري فاعل.

وتتمثل أبرز مصادر الثوريوم في معدن المونازيت، وهو فوسفات نادر يحتوي على نسبة قد تصل إلى 12 بالمئة من فوسفات الثوريوم، ويوجد في الصخور النارية والصخور الأخرى، لكنه يتركز في الرسوبات المكيثة، التي تتشكل بفعل الأمواج والتيارات البحرية مع معادن ثقيلة أخرى، خاصة في الهند، التي تمتلك أكبر الاحتياطيات المعروفة عالمياً.

موارد المونازيت

وتُقدَّر الموارد العالمية من المونازيت بقرابة 16 مليون طن، منها نحو 12 مليون طن في الرمال المعدنية الثقيلة على السواحل الجنوبية والشرقية للهند.

ووفقاً للبيانات، لا تتجاوز الكمية المستخرجة من المونازيت في الهند والبرازيل وفيتنام وماليزيا 10 آلاف طن.

ودون استخراج المعادن الأرضية النادرة تجارياً، فإن إنتاج الثوريوم يعدّ غير مُجدٍ اقتصادياً في الوقت الراهن.

أمّا الصين، اللاعب الغامض في هذا المضمار، فما تزال بيانات إنتاجها غير معروفة.

ووفقاً لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكالة الطاقة النووية لعام 2014، فإن استخراج معدن الثوريوم منتجًا ثانويًا عند معالجة المونازيت لاستخراج العناصر الأرضية النادرة يبدو المصدر الأكثر جدوى لإنتاج الثوريوم حالياً.

احتياطيات معدن الثوريوم

وفقًا لأحدث بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن الموارد المعروفة والمقدّرة لمعدن الثوريوم تصل إلى 6.4 مليون طن، موزعة عبر القارات.

وتتصدر الهند المشهد بموارد ضخمة تبلغ 850 ألف طن، تليها البرازيل بقرابة 630 ألف طن، فيما تمتلك أستراليا والولايات المتحدة احتياطيات تناهز 600 ألف طن لكل منهما.

وتناول تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكالة الطاقة النووية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقديرات الموارد العالمية من معدن الثوريوم في دول أخرى، أبرزها:

مصر: 380 ألف طن.

تركيا: 374 ألف طن.

فنزويلا: 300 ألف طن.

كندا: 172 ألف طن.

روسيا: 155 ألف طن.

جنوب أفريقيا: 148 ألف طن.

الصين: 100 ألف طن.

النرويج: 87 ألف طن.

غرينلاند: 86 ألف طن.

فنلندا: 60 ألف طن.

السويد: 50 ألف طن.

قازاخستان: 50 ألف طن.

دول أخرى: 1.725 مليون طن.

ومؤخراً كشفت الصين احتياطيات ضخمة من معدن الثوريوم تُقدَّر بمليون طن داخل منجم بايان أوبو في منغوليا الداخلية، قد تكفيها لتوليد الكهرباء لمدة 60 ألف عام.

الثوريوم وقوداً نووياً

ويمكن أن يدخل الثوريوم في سلسلة تفاعلات، ويصبح وقوداً نووياً في 7 أنواع من المفاعلات النووية، أبرزها:

  • مفاعلات الماء الثقيل.
  • المفاعلات عالية الحرارة والمبردة بالغاز.
  • مفاعلات الماء المغلي.
  • مفاعلات الماء المضغوط.
  • المفاعلات سريعة النيوترونات.
  • مفاعلات الملح المنصهر.
  • المفاعلات المعتمدة على المسرعات.
  • منجم ماونت ويلد في أستراليا يحتوي على معدن الثوريوم
  • منجم ماونت ويلد في أستراليا – الصورة من فايننشال ريفيو

وشهدت العقود الماضية عدّة تجارب بارزة لاستعمال وقود الثوريوم في توليد الكهرباء عبر أنواع مختلفة من المفاعلات، إذ اعتمدت على اليورانيوم عالي التخصيب (HEU) محفزًا للانشطار، وهو ما لم يعد مقبولًا اليوم.

من أبرز هذه التجارب:

  • مفاعل الثوريوم عالي الحرارة في ألمانيا (1983-1989) بقدرة 300 ميغاواط.
  • مفاعل بيتش بوتوم التجريبي (1967-1974) بقدرة 40 ميغاواط، ومفاعل “فورت سانت فرين” التجاري (1976-1989) في الولايات المتحدة بقدرة 330 ميغاواط.
  • مفاعلات الماء الثقيل الهندية.

مزايا استعمال معدن الثوريوم وقوداً نووياً وتحدياته

ويمثّل معدن الثوريوم خياراً واعداً في قطاع الطاقة النووية بفضل توفيره بديلاً استراتيجياً لإمدادات الوقود النووي، كما أن استعماله في معظم أنواع المفاعلات يعزز مستويات الأمان.

ومن أبرز مزايا الثوريوم:

  • يتمتع بمستويات أمان متقدمة، حيث لا تتعرض مفاعلاته للانصهار مثل مفاعلات اليورانيوم، ما يقلل من مخاطر الكوارث النووية.
  • يوفر قدرة إنتاجية تفوق اليورانيوم بنحو 200 ضعف.
  • ينتج كميات أقل من المخلفات النووية المشعة.
  • يمكن تشغيل مفاعلاته باستعمال الملح المنصهر، ما يقلل الحاجة إلى المياه.

ومع ذلك يواجه عقبات كبيرة منها:

  • ارتفاع تكاليف البحث والتطوير.
  • عدم وجود دوافع اقتصادية قوية.
  • ارتفاع تكلفة تصنيع الوقود وإعادة المعالجة.

الخلاصة:

يتمتع معدن الثوريوم بقدرات تفوق اليورانيوم، لكنه ظل بعيداً عن السباق النووي بسبب عوامل اقتصادية وسياسية، رغم امتلاك العديد من الدول، أبزرها الهند والبرازيل وأستراليا وأميركا، احتياطيات ضخمة.

المصدر: مواقع إلكترونية

اقرأ أيضاً…اكتشاف معدن لم يسبق له مثيل في الماس المستخرج من أعماق الأرض

صفحتنا على فيس بوك