قال تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية إن آلاف اللبنانيين وجدوا أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، وبعضهم خسرها بالفعل جراء تسريحهم من دون سابق إنذار، فيما تلقى موظفون في قطاعات عدة تعليمات بالحضور إلى مراكز عملهم بدوام جزئي مقابل نصف راتب.

يأتي ذلك في خضم أزمة اقتصادية خانقة بلبنان شكلت سببا رئيسيا في حركة احتجاج واسعة تشهدها البلاد منذ أكثر من أربعين يوما.

ونقلت الوكالة عن ليتيسيا نيكولا -مهندسة ديكور- أنها خسرت وظيفتها، وقالت “قلّت المشاريع منذ عام. كنا قد أبلغنا قبل بدء الثورة أننا سنحصل على نصف رواتبنا مقابل دوام جزئي في الشهرين الأخيرين من العام”.

وبعد اندلاع التظاهرات التي شلّت البلاد، أغلقت شركة الهندسة التي تعلم فيها ليتيسا أبوابها أسبوعين على غرار غالبية القطاعات.

بعد ذلك، تلقت ليتيسيا اتصالا للتوجه إلى المكتب حيث دفع لها آخر راتب، و”أبلغوني أنني صُرفت من العمل”، تقول المتحدثة نفسها.

ماري (46 عاما) -وهي موظفة تستخدم اسماً مستعاراً خشية خسارة وظيفتها في متجر ألبسة نسائية راق في بيروت- قالت هي الأخرى “بدأنا منذ مطلع الشهر أخذ يومي إجازة إضافيين في كل أسبوع. وأبلغنا رب العمل أنهم سيضطرون لدفع نصف راتب لنا، على أن يتمّ تعويضنا لاحقا إذا تحسن الوضع”.

وتابعت “نعرف أن الوضع سيئ منذ أشهر. منذ أيام لم تدخل خمسون ألف ليرة إلى صندوقنا”.

وبدأت قطاعات حيوية التحذير من سيناريوهات كارثية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وبحسب الهيئات الاقتصادية -وهو تجمّع تنضوي تحته مؤسسات القطاع الخاص والمصارف- فإن “آلاف المؤسسات مهددة بالإقفال وعشرات آلاف الموظفين والعمال مهددون بفقدان وظائفهم”.

وأحصت نقابة أصحاب المطاعم والملاهي إقفال 265 مؤسسة خلال شهرين، متوقعة أن يصل العدد في نهاية العام إلى 465.

الخيار الوحيد

يقول بلال دندشلي، المدير العام لشركتين صغيرتي الحجم تعمل إحداهما في قطاع دهانات الطرق وإجراءات الأمان وتعتمد على الاستيراد، “لم نعد اليوم قادرين على استيراد البضاعة (…) أو تحصيل أموالنا من السوق”.

ويتحدث من مكتبه الصغير في بيروت عن صعوبات الزبائن غير القادرين على الدفع أيضا “كأننا نتسول أموالنا (..) أريد من أحدهم عشرين ألف دولار، أحضر لي اليوم شيكا بألف دولار، فكيف سنستمر؟”.

ويخشى دندشلي على مستقبله وموظفيه العشرة. ويقول “لا يعملون منذ نحو شهرين (..) أستطيع أن أصمد لبضعة أشهر بعد، أو سأتجه الى إقفال الشركة ومنحهم حقوقهم، وهذا أمر يعزّ عليّ لأنني سأجد كل ما بنيته خلال هذه السنوات ينهار أمامي”.

ونبّه الاتحاد العمالي العام الأربعاء من “صرف تعسفي” في عدد واسع من القطاعات، معتبرا أنه “لا يمكن قبول التحجج بظرف طارئ لا يتجاوز الشهر ونصف الشهر للقيام بهذه الحملة”.

فقر وبطالة

وتعدّ الأزمة الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات في البنى التحتية وخفض العجز، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي على اقتصاد يعتمد أساسا على الخدمات والسياحة. وارتفع الدَّين العام إلى 86 مليار دولار، ما يعادل 150% من إجمالي الناتج المحلي.

وتقول مديرة مركز “كارنيغي” في الشرق الأوسط مها يحيى “لا نتجه إلى أزمة، نحن في خضم تدهور اقتصادي”.

وتوقّع البنك الدولي أن يسجل العام الجاري نسبة ركود أعلى من تلك المتوقعة مع نمو سلبي بنحو 0.2%.

وحذّر من أن معدل الفقر (ثلث اللبنانيين) قد يرتفع إلى 50%، ونسبة البطالة (أكثر من 30%) في صفوف الشباب ومرشحة لارتفاع حاد.

أزمة سيولة

تشهد البلاد أزمة سيولة بدأت معالمها منذ مطلع العام، مع تحديد المصارف سقفا للتحويل إلى الدولار خفّضته تدريجيا، ما تسبب بارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان مثبتا على 1507 ليرات مقابل الدولار منذ سنوات، إلى أكثر من ألفين في السوق الموازية.

وحددت جمعية المصارف أخيرا سقف السحب الأسبوعي للمودعين بألف دولار.

وحذّرت قطاعات عدة من أنها لن تتمكن من استيراد مواد أساسية من الخارج بسبب شح الدولار.

وطالب وزير الصحة العامة جميل جبق الثلاثاء مصرف لبنان بالتدخل لتوفير المبالغ الضرورية اللازمة بالدولار لتسهيل استيراد المعدات الطبية.

كما لاحظ اللبنانيون غياب عدد من الأدوية وارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، مقابل تراجع قدرتهم الشرائية.