ماذا يعنى غسيل الأموال
كثيرًا ما نسمع بمصطلح غسيل أو تبييض الأموال، وهما مصطلحان لهما نفس المعنى والدلالة، ويعد غسيل الأموال من الجرائم الأمنية الاقتصادية المستحدثة والتي تكمن خطورتها بكونها مرتبطة بجرائم خطيرة مثل الإرهاب، والاتّجار بالمخدّرات، والاتّجار غير المشروع بالأسلحة، والجرائم المنظّمة، والدعارة، وجرائم التزوير وغيرها من الجرائم التي تهدد الأمن المجتمعي على المستوى المحلي والدولي على حدٍّ سواء، ومما ساعد على ظهور غسيل الأموال وازديادها التغيرات التي حصلت في الآونة الأخيرة على الدول من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية.
غسيل الأموال يعني حيازة أموال محرّمة حُصل عليها بطريقة غير شرعيّة بهدف حيازتها والتصرّف بها، وتعني إعادة تدوير الأموال المأخوذة من مصادر غير شرعية في قنوات استثمارية شرعية وقانونية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال،ويأتي مصطلح “غسل” من حقيقة أن المجرمين يحاولون تنظيف أو إضفاء الشرعية على الأموال المكتسبة من الجريمة مما يجعل من الصعب على السلطات تتبع أصلها، ويعد غسيل الأموال من الجرائم الاقتصادية التي يعاقب عليها القانون؛ لأنّها تمس بأمن الدولة، ويحاسب القانون أي شخص له علاقة بغسيل الأموال سواء من بعيد أو قريب، مثل إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو تحويلها، أو الاستثمار بها، أو نقلها، أو التلاعب بقيمتها.
مراحل غسيل الأموال
يمر غسيل الأموال بثلاث مراحل أساسية وهي: التنسيب، والتصفيف، والتكامل، نوضحها فيما يلي:
- التنسيب أو الإيداع: وهي تحريك الأموال من مصدرها الأصلي غير المشروع، ونقلها لتدولها في مختلف القطاعات؛ مثل المؤسسات المالية، والمحلات التجارية المختلفة، والشركات المحلية والدولية.
- التصفيف أو التمويه: الغرض من هذه المرحلة هو إخفاء المصدر الأصلي للأموال، وجعل تتبع العائدات المالية أمرًا صعبًا على الجهات الحكومية والقانونية المعنية.
- التكامل أو الاندماج: وهذه هي المرحلة الأخيرة، وفيها ينتهي تحويل الأموال المغسولة إلى النظم المصرفية، وتبدو الأموال هنا أرباحًا من أعمال تجارية مشروعة.
طرق غسل الأموال
توجد الكثير من الطرق التي ابتكرها وابتدعها شياطين التجارة غير المشروعة لغسيل الأموال وتحويلها من أموال غير مشروعة إلى أخرى قانونية وتكتسب صفة الشرعية، إذ أن تجّار غسيل الأموال يعرفون أن الدول وضعت حدًّا أعلى للتحويلات الفردية بين الدول بحيث لا تتجاوز العشرة آلاف دولار لليوم الواحد، وتتابع الجهات المختصة هذه التحويلات وتراقبها.
وشكّلت هذه الخطوة عقبة أمام تحويلات تجّار غسيل الأموال الضخمة، وللتحايل على الرقابة يتبع التجار طريقة التفافية بفتح شركات لممارسة نشاط تجاري وهمي، وغالبًا ما تكون باسم أشخاص بعيدين عن الشبهات والذين يقع أكثرهم ضحية الخداع، وتحت مسمى هذه الشركة تحول مبالغ طائلة من الأموال تبادليًا بين الشركة والبلد المراد وصول الأموال غير الشرعية له، ثم يجري جزء من الأموال الموظّفة في الشركة الوهمية للتوسّع بالنشاطات التجارية الوهمية لغسيل المزيد من الأموال، وبعضهم يشتري عقارات وأراضٍ ويبيعها للحصول على أموال تكتسب الصفة القانونية الشرعية حتى لو اضطره لخسارة جزء منها، والبعض يلجأ إلى الاستثمار بالسلع المحمولة مثل الذهب والأحجار الكريمة، والتي تنقل بسهولة.
كما فتحت التجارة الإلكترونية بابًا أمام تجار الأموال غير المشروعة، فأصبحوا يحولون الأموال من خلال المزادات والمبيعات عبر الإنترنت وحتى مواقع الألعاب، فينشؤون حسابات وهمية تحول الأموال عن طريق عمليات الشراء في التطبيقات والألعاب، وساعد في ذلك برمجيات إخفاء الهوية، فتصل تلك الأموال حيث يريدون وتُحول بعد ذلك إلى أموال نظيفة.
أثر غسيل الأموال على الدول
تُشير الإحصاءات إلى أن ناتج غسيل الأموال من الإنتاج المحلي يشكل 5% من الناتج الإجمالي في العالم كل عام، هذه النسبة عالية ولا بد أن لها تأثير عالمي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، تتمثل فيما يلي:
- تعزيز انتشار الجريمة التي جُنيَ المال غير الشرعي منها؛ بسبب جشع التجّار لتحصيل المزيد من الأموال مثل المخدرات، والدعارة وتجارة الأسلحة وغيرها الكثير.
- حدوث اختلالات في اقتصاد الدولة بسبب غياب عنصري المنافسة والربح القانونيين من السوق، وهما أحد المقوّمات الأساسية له.
- إغراق السوق بالسيولة المحلية بصورة تفوق الزيادة الطبيعية في إنتاج السلع والخدمات، مما يؤثر على قانوني العرض والطلب.
- حدوث فجوة كبيرة بين الاستثمارات ومعدّلات الادخار.
- تهريب الأموال غير الشرعية إلى خارج البلاد بأي طريقة من طرق غسل الأموال، مما يؤدّي إلى حدوث عجز في ميزانية مدفوعات الدولة وهو ما يؤثر سلبًا على سعر الصرف وأسعار الفائدة.
- إلحاق الضرر بالبنوك المحلية، إذ أن غسيل الأموال يتطلّب إيداعًا مفاجئًا للمال وسحب مفاجئ أيضًا، ولا تتعلق عوامل سحب المال بظروف السوق، مما يخلق مشكلة سيولة لدى البنوك.
- التأثير على شفافية الأسواق المالية.
- تعزيز انتشار الرشاوى وشراء الذمم بين المسؤولين بالجهات المختصّة بمكافحة غسيل الأموال؛ مثل القضاة، والمسؤولين الحكوميين، وأفراد الشرطة.
- استشراء الفساد الإداري.
- ارتفاع معدّلات التضخّم؛ بسبب زيادة السيولة بيد طبقة دون أخرى.
- تقوية وتجذر العصابات والمنظمات الإجرامية والإرهابية في المجتمعات، فتكوّن عنصر جذب للعاطلين عن العمل بإغداق الأموال عليهم لتنفيذ أعمال تصب في مصلحتهم، وبالتالي زيادة هيمنتهم التي تهدّد الدول والمجتمعات.
موقف المجتمع الدولي من غسيل الأموال
عمل المجتمع الدولي جاهدًا للحدّ من ظاهرة غسيل الأموال كونها ذات تأثير سلبي كبير على جميع بلدان العالم سواءً النامية أو المتقدمة، فجاءت جهودهم متبلورةً فيما يلي:
- اتفاقية الأمم المتحدة عام 1988م: أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988م بأن غسل الأموال يعد بمثابة مجموعة من المؤسسات الإجرامية الضالعة في الاتجار بالمخدرات، لا سيما أنها تستخدم العمليات المصرفية العالمية لاستغلال الانتهاكات في القوانين الدولية وإنفاذ القانون لتعبئة مواردها المالية.
- لجنة العمل المعنية بغسيل الأموال (FATF): هي هيئة دولية أنشأتها الدول الصناعية السبع الكبرى عام 1989م، وأصدرت توصياتها الأربعين بعد عام بشأن غسيل الأموال، وتهدف لمكافحة كل من: غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة، وتضم اللجنة اليوم 34 عضوًا، ومقرها في باريس.
- مجموعة إيغمونت: وهي الهيئة التنسيقية لمجموعة دولية من وحدات الاستخبارات المالية، شكلت لتعزيز التعاون الدولي في جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 1995م، وسميت على اسم Egmont Arenberg Palace في بروكسل، إذ اجتمع فيها الأعضاء المؤسسون، وتضم الآن 116 عضوًا.
- الشبكة الدولية لمعلومات غسل الأموال (IMoLIN): هي شبكة قائمة على الإنترنت لمساعدة الحكومات والمنظمات والأفراد في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
- مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: من البرامج التي يتبناها المكتب؛ غسيل الأموال، والجريمة المنظمة، ومنع الإرهاب.
- قسم غسل الأموال في (CICAD): يتعاون هذا القسم أيضًا مع لجنة البلدان الأمريكية لمناهضة الإرهاب (CICTE) من خلال عقد ورش عمل مشتركة حول طبيعة ممارسات غسيل الأموال في شبكات الإرهاب، وكيف يمكن للقانون التحقيق بهذه العمليات.
- مجموعة العمل المالي لأمريكا اللاتينية (GAFILAT): هي منظمة حكومية دولية تضم 17 دولة في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى وأمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي لمنع غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل.