كيف يتم إعادة تدوير الزيت المستعمل بدلاً من التخلص منه؟
يعتبر إعادة تدوير الزيت من المشاريع المربحة والتي يمكن جني المزيد من الأموال عن طريقها، ويمكن أن توفر المزيد من فرص العمل، إضافة إلى أنها تساهم في حل الكثير من المشاكل البيئية، وأيضا توفير الطاقة التي تعتبر من أبرز المشاكل الاقتصادية العالمية.
يعتبر الزيت المستهلك من أكثر الثروات المهدرة في العديد من دول العالم، في الوقت الذي يمكن من خلال إعادة تدوير الزيت حل الكثير من المشاكل الاقتصادية للدول، والمالية للأفراد، وتوفير المزيد من فرص العمل للعاطلين، كما أن في إعادة تدوير الزيت حماية للبيئة وصيانة للثروات الطبيعية التي وهبها الله سبحانه وتعالى للأرض وسكانها من بحار وأنهار. وفي المقال التالي سوف نتعرف على كيفية إعادة تدوير الزيت بأنواعه المختلفة، سواء كانت زيوت معدنية ناتجة من مخلفات المصانع، أو زيوت طبيعية نباتية نستخدمها في بيوتنا ويتخلف منها ناتج القلي أو التحمير، أو الزيت المحترق من مخلفات تشحيم السيارات، وكيف يمكن أن يحول إعادة تدوير الزيت المستهلك إلى مادة جديدة يمكن الاستفادة منها في العديد من الاستعمالات والصناعات، مع حماية البيئة من مخلفات الزيوت المزعجة، وتحقيق أرباحا لا حدود لها، وتشغيل آلاف الأيدي العاملة، وفتح المجال لتطوير المزيد من الصناعات الجديدة.
إعادة تدوير الزيوت المعدنية
دعنا نتعرف أولا على إعادة تدوير الزيت المستعمل والمقصود به، والهدف منه، حيث قد درج العامة على التخلص من الزيوت بعد استخدامها وقد فقدت بالاستخدام بعضا من خواصها مما يجعل الاستمرار في استخدمها يعرض الآلة للتلف، فمثلا يحدد عمر زيت السيارة بعدد معين من الكيلومترات التي تقطعها السيارة، بعدها لابد من تغيير الزيت وإلا تعرضت المحركات للتلف، فأين تذهب تلك الزيوت المستهلكة؟ عادة ما تذهب للنفايات بشكل أو بآخر مما يعرض البيئة للتلوث، فإن تم التخلص منها في البحار والأنهار فإن البقع الزيتية تلوث مصادر مياه الشرب والري، وإن تم تصريفها في الصحراء فإنها تلوث المياه الجوفية أيضا، ويعتبر التخلص من تلك الأضرار مكلفا للغاية، وقد يمتد أضرار ذلك التلوث ليصيب النبات وبالتالي الإنسان والحيوان أيضا الذي يتناول غذائه من نبات ملوث.
وعلى ذلك كان لابد من إعادة تدوير هذه الزيوت وإعادة استخدامها بطريقة آمنة فنحافظ بذلك على البيئة، ونوفر أموالا بتوفير مواد جديدة مفيدة، وأيضا نوفر الطاقة التي تعتبر وقود التقدم والازدهار في عصرنا الحديث.
الاستخدامات المتعددة للزيوت المعاد تدويرها
يستخدم كوقود لمراجل مصانع الأسمنت،وأيضا لتشغيل محركات الديزل.
يستخدم في تدفئة المنازل وعنابر التفريخ.
يستخدم كعامل مساعد في إشعال الأبراج العالية في عدد من الصناعات مثل صناعة الأسمنت.
مراحل إعادة تدوير الزيت
في المرحلة الأولى من إعادة تدوير الزيت يتم فصل الماء عن الزيت بواسطة عملية التقطير، وفي هذه المرحلة أيضا يتم فصل الإيثيلين جلايكول وهو وقود خفيف له عدة استخدامات صناعية منها منع تصلب الجليد على زجاج السيارات خصوصا في الدول التي تنخفض فيها درجات الحرارة بشدة في فصل الشتاء.
المرحلة الثانية من إعادة تدوير الزيت هي عملية الهدرجة، والغرض منها تشبع الجزيئات بالهيدروجين لتحقيق استقرارها وتخليصها من الشوائب، ثم إعادة استخدامها في تشحيم الآلات.
وفي المرحلة الثالثة من إعادة تدوير الزيت يتم تقسيم الشحوم الناتجة عن الهدرجة إلى ثلاثة أقسام، خفيف اللزوجة، ومنخفض اللزوجة، وثقيل ولكل نوع منها استخداماته:
زيت التشحيم خفيف اللزوجة، ويناسب تشحيم أكثر أنواع المحركات.
زيت التشحيم منخفض اللزوجة، ويدخل في العديد من التركيبات الكيماوية والصناعية.
زيت التشحيم الثقيل، وذلك يناسب أنواعا خاصة من الأشغال الثقيلة نظرا للزوجته العالية.
بعد الانتهاء من تكرير الزيوت المستعملة وإنتاج الأنواع الثلاثة من الشحوم الخفيفة والمنخفضة، والثقيلة تأتي مرحلة الإضافات التي تتناسب مع كل نوع حتى تكون مناسبة للغرض المنتجة من أجله، ثم تأتي مرحلة إعدادها للاستخدام من خلال التعبئة والتغليف، وإضافة الاسم التجاري على المنتج واسم الشركة المصنعة، ويتم بعدها طرح المنتجات بالأسواق.
إعادة تدوير الزيت المحروق
هناك طريقة أخرى تستخدم من أجل تدوير الزيت المحروق، والناتج عن تبديل زيوت السيارات، أيضا الزيوت الراجعة من تشحيم المحركات الهيدروليك، يتم تطبيقها في المصانع الصغيرة.
ويتم استخدام هذه الطريقة داخل المصانع الصغيرة كبديل عن التخلص من الزيوت المستهلكة عن طريق الحرق، وهو ما يعد إهدارا للطاقة وتلويث وتدمير للبيئة نتيجة العوادم القاتلة الناتجة عن حرق الزيوت، والتي أصدرت بشأنها عدد من الدول الأوربية تشريعات بتحريمها لضررها البالغ على البيئة والإنسان.
وتستخدم في هذه الطريقة من إعادة تدوير الزيت المحروق نوع من المراجل صغيرة الحجم، يتم فيها خلط الزيوت المستهلكة بالبروبان السائل، وباستخدام الضغط المرتفع يتم فصل الشوائب عن الزيوت المفيدة، والتي تتحد مع البروبان، حيث أن البروبان لا يتحد مع الشوائب، وحتى لا تتعرض الزيوت المفيدة الناتجة إلى الأكسدة والتحول إلى الأكاسيد الكبريتية الضارة يتم إضافة الهيدروجين إلى خليط الزيوت المفيدة المستخلصة، وفي النهاية يتم فصل البروبان بطريقة التبريد.
إعادة تدوير زيت الطعام
عندما نتحدث عن إعادة تدوير الزيت المستهلك من الطعام، والراجع من الاستخدامات المنزلية في الطهي، فإننا نتحدث عن مشروع في غاية الأهمية، خصوصا بعدما اتضح لمعظم الناس مقدار الخطر الذي تتعرض له صحتهم من جراء استخدام الزيت في قلي الطعام أكثر من مرة، وأن ذلك قد يعرضهم للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة مثل مرض السرطان. ومن هنا يمكن أن نتخيل كم الزيوت المستهلكة، والراجعة من البيوت، وكيف يمكن لربة البيت التخلص منها بطريقة آمنة لا تضر البيئة، وقد يكون الضرر لبيئة بيتها الذي تعيش فيه، وما يحدث من انسداد المجاري وانفجارها إلا بسبب التخلص من الزيوت المستهلة في الأحواض والمراحيض وما يتبع ذلك من أضرار للمباني والشوارع. لو أضفنا إلى ذلك الراجع من زيوت مستهلكة من المطاعم ومصانع تجهيز وبيع الطعام. ندرك أننا أمام مشكلة بيئية حقيقية، وأمام ثروة كبيرة مهدرة لو لم يحسن استغلالها.
صناعات ناتجة من إعادة تدوير زيت الطعام
هناك العديد من الصناعات الهامة تستخرج من تدوير زيت الطعام نذكر منها الآتي:
يصنع منه الصابون السائل الخاص بغسيل الأواني والأغراض المنزلية الأخرى.
يستخلص منه زيت الجلسرين، وهو بدوره يدخل في العديد من الصناعات مثل الكريمات المرطبة للبشرة، وأيضا بعض المركبات الدوائية مثل المراهم.
يتم استخدامه أيضا كوقود حيوي (البيوديزل).
إعادة تدوير الزيت المستهلك من الطعام مشروع اقتصادي ناجح
كان من الطبيعي أن تدرك معظم الدول القيمة الاقتصادية الكبري لإعادة تدوير زيت الطعام، وذلك بعد حساب الكميات زيوت الطعام المستهلكة من المنازل، والتي لو تركت في النفايات كانت سوف تتسبب حتما في كوارث بيئية. اليوم وبعد اكتشاف طرق إعادة تدوير زيت الطعام، وتحديد المنتجات العديدة التي يمكن استخراجها منه وخصوصا تحويله لوقود بيوديزل، فقد انتشرت الشركات التي تتبنى هذا النشاط خصوصا بعد حساب الجدوى الاقتصادية له، فأصبح إنشاء تلك الشركات حلم العمر الذي يداعب ملايين الشباب، حيث ثبت أن كل كيلو واحد من راجع زيت الطعام ينتج 9. ليتر من الوقود، وسعر كيلو الزيت المستهلك تقدر بثلاثة جنيهات، ويباع إلى الشركات بقيمة 7 جنيهات. لو أضفنا إمكانية الحصول على كميات من الزيت المستهلك بلا مقابل من المطاعم ومحلات صنع الطعام، حيث يكفيهم مكسب تخلصهم من تلك الزيوت بطريقة آمنة، يمكننا أن ندرك حجم الأرباح التي يمكن جنيها من مجرد تجميع الزيوت المستهلكة فقط.
الزيوت المستهلكة من البيوت
لا شك أن الملايين من ربات البيوت لم يصلها ما يكفي من معلومات حول إعادة تدوير زيت الطعام، أو على الأقل لم يتوافر لها كيفية التعامل مع هذا الأمر، وإلا ما كانت أهدرت أموالا لا يستهان بها كان من الممكن أن تدعم ميزانية الأسرة، وحتى يحدث هذا الأمر فإنه يتطلب تحقيق خطوتين هامتين:
الخطوة الأولى تكون بتوفير التوعية اللازمة لربات البيوت بمخاطر التخلص من الزيوت المستهلكة في القمامة، ومخاطر ذلك على البيئة والصحة العامة من جهة، ومقدار الأموال التي ممكن الحصول عليها حال شاركت في الأنشطة التي تدعم تجميع الزيوت المستهلكة من المنازل.
أما الخطوة الثانية فهي إعداد الوسائل المناسبة التي يمكن من خلالها تجميع الزيوت المستهلكة من ربات البيوت بطريقة سلسة وبأدوات بسيطة يمكن الحصول عليها.
ومن الطبيعي أن الخطوة الثانية لن تتحقق إلا بعد انتشار الوعي الكافي بحيث يكون عدد المشاركات في هذه الأنشطة كاف للوصول إلى كميات اقتصادية يمكن أن يقوم عليها مشروع التدوير.
ومن أجل ذلك انتشرت في عدد من الدول العربية منها مصر والسعودية والإمارات وعمان عدد من المبادرات في هذا المجال حيث ظهرت في مصر شركة (تجدد)، ومركز إدارة النفايات في إمارة أبو ظبي بالتعاون مع معهد (مصدر) لإنتاج الوقود الأحفوري من مخلفات زيت الطعام. وغيرها العديد من المؤسسات والشركات التي أنشئت من أجل هذا الغرض، وتقوم تلك المؤسسات بالجمع بين الخطوتين، خطوة التوعية الجماهيرية وخطوة تجميع الزيوت المستخدمة من البيوت، حيث تم إنتاج عبوات بلاستيكية فارغة سعة 5 لتر مع قمع مناسب، وتم توزيعها على المنازل المشاركة في المبادرة، وأيضا على طلبة المنازل، مع تحديد موعد أسبوعي يتم فيه المرور على المنازل المشاركة واستلام الزيوت المجمعة منها.
أهمية إعادة تدوير زيت الطعام في إنتاج الوقود الحيوي (البيوديزل)
إلى جانب الصناعات العديدة التي تنتج من إعادة تدوير زيت الطعام مثل سائل التنظيف والجلسرين، يعد استخدام مستهلك زيت الطعام مصدرا رئيسيا للوقود الحيوي (البيوديزل)، وترجع أهمية هذا الأمر إلى الاحتياج الكبير لتوفير الطاقة، وأن توفير الطاقة في الوقت الحالي يعتبر تحديا كبيرا يواجه العالم كله، خصوصا وقد أصبح زيت البترول المصدر الرئيسي للطاقة في العالم على وشك النفاذ، كما أن الاحتياج إلى الطاقة النظيفة يعد تحديا آخر، وبذلك يعتبر توفير الطاقة وبكميات كبيرة متوقعة من الوقود الحيوي مكسب كبير خصوصا لو عرفنا أن ناتج احتراق هذا الوقود هو الماء، بما يعني خلوه تماما من أي أضرار بيئية محتملة.
وحتى الآن لم يلق هذا الأمر الاهتمام الكافي من قبل الحكومات، وإن بدأت منظمات المجتمع المدني بتسليط الضوء عليه، إلا أن الجهود ما زالت محدودة في هذا الأمر.