طوّر فريق من الباحثين في معهد كاليفورنيا للتقنية كالتك جينا مراسلا يسمح لهم برؤية النشاط الجيني باستخدام الموجات فوق الصوتية التي يمكنها أن تخترق أعماق الأنسجة. وقد نشرت ورقتهم البحثية في دورية ساينس بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2019.

وظيفة الجين المراسل

يعتمد علماء الأحياء الحديثة على مراقبة أجزاء خاصة من الحمض النووي التي تعمل كجواسيس أو كمراسلين من حيث إنها تقدم تقريرا عن عمل الخلية. تقوم الجينات المراسلة بترميز البروتينات التي يمكن رؤيتها من خارج الخلية.

فعلى سبيل المثال، يقوم أحد الجينات المراسلة الشهيرة بترميز ما يسمى البروتين الفلوري الأخضر، وهو بروتين يشع باللون الأخضر اللامع. وبالتالي إذا أراد الباحث معرفة المزيد عن كيفية تحوّل الخلايا إلى خلايا عصبية، مثلا، فيمكنه زرع الجين الفلوري الأخضر إلى جانب الجين العصبي في الحمض النووي الخاص بخلايا الأجنة.

وعندما تقوم الخلايا بتشغيل الجين العصبي، فإنها ستعبر أيضا عن الجين الفلوري الأخضر وستتوهج بدورها باللون الأخضر، مما يسهل على الباحث أن يرى البرنامج الجيني النشط الذي يشفر تكوين الخلايا العصبية.

جديد معهد كاليفورنيا للتقنية

لم يتمكن الباحثون من استخدام الجين الفلوري الأخضر لرصد نشاط الخلايا في أعماق الكائن الحي، لأن الضوء لا يخترق معظم الأنسجة إلى أعماقها، مما استدعى التفكير في تطوير جين مراسل جديد لحل هذه المشكلة.

ومن ثم، استخدم باحثون من كالتك بروتينات من نوع من البكتيريا الطافية التي تحتوي على أجزاء صغيرة من البروتين مملوءة بالهواء تسمى حويصلات الغاز. كما أنها تظهر بوضوح عند التصوير بالموجات فوق الصوتية.

ولتحويل الجينات التي تشفر بروتينات حويصلة الغاز إلى جين مراسل، زرع الباحثون برنامجا وراثيا مكونا من تسعة جينات من البكتيريا في خلايا الثدييات المستمدة من الكلى البشرية.

تحديات الجين المراسل الجديد

تختلف البكتيريا عن الثدييات في قراءة الجينات الموجودة في الحمض النووي، إذ تقوم البكتيريا بترتيب جينات متعددة في الحمض النووي بحيث يتم نسخها إلى قطعة واحدة مشتركة من الحمض النووي الريبي، تترجم بعد ذلك إلى جميع البروتينات المناظرة.

في حين يكون كل جين في حقيقيات النوى مستقلا بذاته. هذا يعني أن الخلايا لن تكون قادرة على فهم الحمض النووي البكتيري المزروع فيها.

وجاء الحل من مصدر آخر للحمض النووي، وذلك باستخدام ما يمكن تسميته بالوسيط، وهو الفيروسات التي تعمد إلى خداع خلايا الثدييات للتعبير عن مجموعة من البروتينات.

وبهذا استخدم الباحثون عناصر فيروسية بهدف التحايل على الخلية لإنتاج جينات متعددة من قطعة مشتركة من الحمض النووي الريبي.

“كل شيء خلقناه بقدر”

اكتشف الباحثون أن استخدام الوسيط الفيروسي لم يعط حلا كاملا، حيث قامت الخلايا بالفعل بصناعة بروتينات حويصلة غازية، لكن حويصلات الغاز لم تتشكل!

واتضح أن البروتينات الموجودة في مجموعات الجينات البكتيرية مبرمجة بنسب دقيقة، ولكن عند زرعها في الثدييات لا بد من معرفة هذه النسب بدقة والآلية التي تمكن خلايا الثدييات من تصنيعها بشكل صحيح. وقد عمل الباحثون لسنوات عديدة لمعرفة تلك النسب وتمكنوا أخيرا من تطوير جينات فاعلة.

ويعتزم الفريق استخدام هذه الجينات المطورة في دراسة التعبير الجيني في الأورام والخلايا المناعية والخلايا العصبية وأنواع الخلايا الحية الأخرى.