ما السر وراء المتانة الفائقة لخيوط العنكبوت، والتي تفوق معظم المعادن الأخرى رغم خفة وزنها؟ يقول علماء من جامعتي فورتسبورغ وماينز الألمانيتين إنهم تمكنوا من العثور على إجابة لهذا السؤال.

فقد أثبتوا أن حمضا أمينيا طبيعيا يسمى الميثيونين يوفر مرونة للبروتينات المكونة لخيوط العنكبوت مما يزيد في متانتها. ونشر العلماء نتائجهم في دورية “نيتشر كومينكيشن” العلمية في 26 سبتمبر/أيلول الماضي.

حرير العنكبوت

يقول الباحث هانس نيويلر من جامعة فورتسبورغ -وهو المؤلف الرئيسي للدراسة- “إن حرير العنكبوت هو واحد من أمتن المواد الموجودة في الطبيعة. وهو أقوى من الألياف العالية التقنية مثل كيفلر أو الكربون”، وهذا المزيج الفريد من المتانة والمرونة يجعله جذابا للغاية في الصناعة، سواء في مجال الطيران أو صناعة النسيج أو الطب، فإن التطبيقات المحتملة لهذه المواد البارزة عديدة.

ويضيف الباحث الألماني “لقد اكتشفنا أن خيوط العناكب تستفيد من حمض أميني معين يسمى الميثيونين، لربط البروتينات الحريرية بإحكام بطريقة غير معروفة من قبل”.

وعلى الرغم من أن حرير العنكبوت الصناعي يتم إنتاجه بالفعل على نطاق صناعي، ويستخدم في العديد من المنتجات، فإنه غير قادر حتى الآن على محاكاة الخصائص الميكانيكية الممتازة للحرير الطبيعي؛ وقد تساهم نتائج هذه الدراسة الجديدة في تحسين جودة الحرير الصناعي.

خصائص الميثيونين

من المعروف أن أشكال الحياة المختلفة تعتمد على البروتينات التي تتشكل من مجموعة محدودة من عشرين حمضا أمينيا مختلفا.

يمكن تقسيم الأحماض الأمينية الطبيعية إلى مجموعتين بناء على خصائص سلاسلها الجانبية، فهناك ما يسمى السلاسل الجانبية الكارهة للماء غير القابلة للذوبان فيه، وغالبا ما تكون داخل البروتين.

بينما تميل السلاسل الجانبية المحبة للماء القابلة للذوبان فيه إلى أن تكون على سطح البروتين، حيث تكون مسؤولة عن مجموعة غير محدودة تقريبا من الوظائف.

ينتمي الميثيونين إلى مجموعة من الأحماض الأمينية الكارهة للماء، لكنه نادر في معظم البروتينات، وتتميز السلسلة الجانبية للميثيونين بمرونة استثنائية مقارنة بالسلاسل الجانبية للأحماض الأمينية الطبيعية الـ19 الأخرى.

وحتى الآن، لم يولِ علماء البيولوجيا الجزيئية وعلماء البروتين سوى القليل من الاهتمام لهذا الحمض الأميني، إذ كانوا يعتقدون أن السلسلة الجانبية من الميثيونين داخل البروتينات ليست لها أهمية وظيفية تذكر.

مرونة ومتانة

أثبت نيويلر وفريقه أن العناكب تسخر هذه الخاصية (المرونة) من خلال وضع كميات كبيرة من الميثيونين داخل النطاقات الأمينية الطرفية للبروتينات المكونة للخيوط، حيث ينقل الحمض الأميني مرونته إلى البنية الكاملة للمجال، مما يجعله لينا وقابلا للشد.

وتعتبر البروتينات تقليديا أجساما صلبة، ومع ذلك تسلط العديد من الأبحاث الحديثة الضوء على دور ديناميكية البروتينات في أدائها لوظائفها. و”مثل المفتاح القابل للضبط الذي يكيّف شكله مع القفل، تغير نطاقات البروتينات الحريرية شكلها للتواصل بإحكام مع بعضها بعضا”، بحسب ما يقول الباحث الرئيسي للدراسة، وهو ما يعزز قوة الترابط بين المجالات الطرفية بشكل كبير.

تطبيقات

يتوقع الباحثون أن يكون لهذه النتائج الجديدة آثار في مجال تصميم وتطوير البروتينات الجديدة، وكذلك في علوم المواد، ويعتقدون أن من الممكن صناعيا إضافة حامض الميثيونين الأميني للمكونات الداخلية للبروتينات، كما هو الحال في خيوط العناكب، من أجل تحسين وظائفها أو حتى إنشاء وظائف جديدة.

كما يمكن التحكم في الخواص الميكانيكية للمواد الاصطناعية عن طريق تعديل كمية الميثيونين داخل بروتين الحرير بشكل صناعي.

يخطط نيويلر وفريقه لإجراء دراسات مقارنة حول تأثير الميثيونين في بروتينات الحرير في أنواع أخرى من العناكب والغدد الحريرية، إضافة إلى إجراء تجارب لدمج الميثيونين في بروتينات كائنات حية أخرى، بهدف تعديل وظائفها وربما تحسينها.