
الديزل الحيوي… بداية عهد جديد للطاقة
يعتبر توفير مصادر جديدة للطاقة أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحالي، فقد واكب التطور العلمي و الصناعي والتكنولوجي، ازدياد الطلب بشكل هائل على كافة أشكال الطاقة، وقد انعكس ذلك بشكل حاد على أسعار النفط عالميا، حتى أصبحت فاتورة النفط الشغل الشاغل للكثير من الدول غير المنتجة له، من جانب آخر فإن زيادة الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري أدى إلى إحداث خلل واضح في التوازن الأيكولوجي لكوكب الأرض وتراكم كميات هائلة من الملوثات في البيئة المحيطة بالإنسان.
لقد تواصلت الأبحاث لتقليل الاعتماد شبه المطلق على الوقود الأحفوري، وتم تطوير الكثير من مصادر الطاقة البديلة والتي أثبتت نجاعتها وقدرتها على تقليل الطلب العالمي على كافة أشكال الوقود التقليدية.
فتم استغلال الطاقة الشمسية، والرياح، والمد والجزر، وحركة الأمواج، والمساقط المائية، والتفاعلات النووية، والكتلة الحيوية، كما تم تطوير نوع جديد من الوقود عرف بالديزل الحيوي Biodiesel والذي يشبه إلى حد ما الديزل الأحفوري المستخدم حاليا، وقد أثبتت التجارب التي أجريت على هذا النوع من الوقود، ما يتمتع به من خصائص ومميزات أدت إلى أن تتبنى إنتاجه وتسويقه الكثير من دول العالم الصناعية وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا.
ألمانيا أكبر منتج في العالم للديزل الحيوي
فخلال السنوات الخمس الماضية ازداد اهتمام ألمانيا بالديزل الحيوي المستخرج من بذور نبته اللفت ومن باقي مصادر الزيوت النباتية ومن مخلفات زيوت القلي والطهي المنزلية، وتدل الدراسات أن 12% من محطات الوقود الموجودة حاليا في ألمانيا والتي يبلغ عددها الإجمالي 15 ألف محطة ، توفر للمستهلكين الديزل الحيوي، وهذه النسبة في تزايد مستمر، وذلك لتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقليل انبعاث الملوثات الخطيرة الناتجة عن السيارات ووسائط النقل المختلفة، ولا تتوانى ألمانيا في الوقت الحالي عن دعم هذه الصناعة الناشئة، والترويج لها عالميا وتطوير محركات الآليات التي تتعامل مع الديزل الحيوي بسهولة ويسر، وقد نجم عن هذه السياسة الاقتصادية، أن تصبح ألمانيا أكبر منتج في العالم للديزل الحيوي بطاقة إنتاجية تبلغ ثلاثة مليارات لتر سنويا ، تليها فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
يقول كريستوفر فلافين رئيس معهد وورلد ووتش والمعني بشؤون البيئة، أن المطلوب تنسيق الجهود من أجل إنتاج وتسويق الديزل الحيوي، وتقديم تقنيات جديدة لتخفيف الضغوط على أسعار النفط، ودعم الاقتصاديات الزراعية وتقليل الإنبعاثات الغازية المؤدية إلى التغيرات المناخية.
فلماذا كل هذا الاهتمام الألماني والأوروبي بالديزل الحيوي، وكيف يتم إنتاجه، ومما مميزاته.
إنتاج الديزل الحيوي
يتم إنتاج الديزل الحيوي من كافة أنواع الزيوت النباتية، كزيت فول الصويا والقطن واللفت والجاتروفا Jatropha ، وهذه الزيوت قد تكون طازجة، أي غير مستخدمة إما صناعيا أو منزليا، أو تكون من مخلفات المطابخ والمصانع الغذائية والتي استخدمت هذه الزيوت وترغب في التخلص منها.
يتم معالجة هذه الزيوت في البداية عن طريق ترشيحها للتخلص من الشوائب الموجودة فيها، ثم تسخن إلى درجة 70 درجة سيليسيوس ويضاف إليها أحد الكحولات كالميثانول أو الايثانول بوجود عامل مساعد كهيدروكسيد الصوديوم أو هيدروكسيد البوتاسيوم.
يعتبر التفاعل السابق تفاعل أسترة، حيث يتم إنتاج استر الميثيل أو استر الإيثيل وجليسرين كناتج ثانوي يدخل في الكثير من الصناعات الكيميائية المختلفة.
إن إجراء التفاعل السابق يتطلب حساب كمية العامل المساعد المطلوبة بدقة عالية، حيث إن إنتاج الديزل الحيوي بشكل مناسب يجب أن يكون على درجة حموضة PH تساوي 9 ، وللوصول إلى هذه الدرجة المناسبة، يتم إضافة العامل المساعد بحذر وانتباه.
يتم تسخين المزيج السابق مع التحريك لمدة ساعة، ثم ينقل إلى خزان الترسيب حيث تتشكل طبقتان، الديزل الحيوي في أعلى الخزان، والجليسرين في أسفل الخزان، يتم فصل الديزل الحيوي وتحسب كثافته بواسطة الهيدروميتر ويجب أن تكون 0.85 إلى 0.9 غم /سم3 ليكون هذا الوقود مناسبا للاستخدام في وسائط النقل المختلفة.
مميزات الديزل الحيوي
يتمتع الديزل الحيوي بالكثير من الخصائص الكيميائية والفيزيائية والتي تؤهله لأن يكون وقودا مناسبا للسيارات ولوسائط النقل المختلفة.
فتركيبه الكيميائي يتضمن عددا من ذرات الكربون أقل من ما يتضمنه الديزل الأحفوري، ولذلك فإن كمية المادة الملوثة الناتجة عند احتراقه تكون أقل، هذا عدا عن خلوه – إلى حد ما – من الملوثات الكيميائية كالرصاص والكبريت والمعادن الثقيلة.
وتدل الدراسات أن معامل الأمان للديزل الحيوي أكثر من معامل الأمان للديزل الأحفوري، حيث يشتعل على درجة 167 درجة سيليسيوس بينما الديزل الأحفوري يشتعل على درجة 70 درجة سيليسيوس وهذا ما يؤهله لأن يكون آمنا عند التداول والنقل والتخزين والاستعمال، أيضا فإن لزوجة الديزل الحيوي أعلى من لزوجة الديزل الاحفوري، وهذا ما يكسبه ميزة محافظته على الأجزاء الداخلية للمحركات وعلى القطع المطاطية والمضخات التي تدخل في تركيبها.
من جانب آخر فإن الديزل الحيوي يتحلل في الماء بنسبة تصل إلى 85% في أقل من شهر واحد وهذا يجعله اقل تلويثا للبيئة من مشتقات النفط الأحفورية التقليدية والتي تبقى في البيئة لسنوات طويلة دون تحلل يذكر.
ومما يجدر الإشارة إليه، أن استخدام الديزل الحيوي في محركات الآليات لا يتطلب إجراء تغيرات جوهرية على هذه المحركات، فيكفي إجراء بعض التعديلات الطفيفة على نظام دفع الوقود وعلى نظام الاحتراق داخل المحرك، هذا علما بان بعض وسائط النقل الأوروبية والأمريكية التي تم إنتاجها خلال السنوات الخمس الماضية، تم تجهيزها للتعامل مع هذا النوع من الوقود بكفاءة عالية.
صناعة واعدة
في إطار سعي الاتحاد الأوروبي لمعالجة مشكلة التلوث عالميا ، ولتقليل الاعتماد شبه المطلق على الوقود الاحفوري ، تم إقرار اتفاقية تهدف إلى تغطية ما نسبته 5.75% من احتياجات قطاع النقل الأوروبي من الوقود باستخدام الديزل الحيوي بحلول عام 2010، وقد أعلنت كل من ألمانيا وفرنسا، عزمهما الوصول إلى هذه النسبة ، بل وتجاوزها ، قبل الموعد المحدد ، هذا و قدرت ألمانيا في عام 2005 أن الديزل الحيوي يشكل 4% من إجمالي مبيعات الديزل لديهم وأن خططهم تهدف لمضاعفة هذه النسبة خلال السنوات القادمة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فيوجد حاليا أكثر من عشرين شركة لإنتاج وتسويق الديزل الحيوي، وقد أقر المجلس القومي للديزل الحيوي الأمريكي الكثير من الخطط لبناء المئات من محطات توزيع هذا النوع من الوقود إلى المستهلكين.
لقد لجأت الكثير من الدول الأوروبية حاليا إلى أسلوب خلط ما نسبته 5 – 8% من الديزل الحيوي مع الديزل الأحفوري، كما أقرت إعفاء هذا النوع من الوقود من كافة الضرائب والرسوم المفروضة على استخدام الوقود التقليدية، وإذا كانت السياسة الاقتصادية في الكثير من دول العالم تعطي تسهيلات مادية واقتصادية للمستهلكين وللمنتجين لكافة أشكال الطاقة البديلة، فإن ذلك راجع إلى حتمية نفاذ الوقود الاحفوري وارتفاع أسعاره في المستقبل القريب بحيث يصبح بعيدا عن متناول المستهلكين العاديين.