منذ 350 مليون سنة كانت الديناصورات تلك المخلوقات الضخمة تعيش ولا أحد يعرف ما سر وجودها على هذه الأرض.. وها نحن الآن وبعد كل هذه الملايين من السنوات نقدر خلق الله عز وجل لها، بعد أن تحولت بقاياها إلى ذهب أسود لا يستطيع العالم بأسره أن يعيش من دونه.

إنتاج السولار لم يعد عملية معقدة مرتبطة باستخراج البترول وتكريره وصولا لوقود السيارات أو المصانع ومحطات الكهرباء والمخابز، بل أصبح اليوم أمرا سهلا يمكن إنتاجه في ثلاث دقائق فقط.. نعم ثلاث دقائق من الزمن ويصبح لدينا سولار خام عالى الجودة.. ولكن هذه المرة لن نعتمد على الشركات الأجنبية المتخصصة فى التنقيب عن البترول بل على تلال القمامة التي تملأ علينا الشوارع وتخنقنا روائحها العفنة.

تحويل التلال العفنة إلى وقود يحرك السيارات بجودة عالية

نحن هنا لا نتكلم هنا عن إعادة تدوير للقمامة فحسب، أو حرقها لتوليد الطاقة، أو حتى تخميرها لإنتاج غاز الميثان، وإنما نتكلم عن تحويل تلك التلال العفنة إلى وقود يحرك السيارات بجودة عالية وبدرجة أعلى من السولار الناتج عن تكرير البترول، وذلك عن طريق تقنية جديدة تسمى «عكس البلمرة المُحَفَّزة في غياب الضغط (Catalytic Pressure-less Depolymerisation» (CPD» وهي تكنولوجيا حديثة مُجربة تجاريا لتحويل خليط من نفايات البلدية والزراعة إلى ديزل عضوي ذو جودة عالية.

تكنولوجيا CPD اخترعها عالم ألماني يدعى كريستين كوخ والذي حصل على براءة الاختراع في عام 2009 وفى نهاية 2010 بدأ تطبيقها في عدد من الدول منها ألمانيا وهولندا ومن المنتظر أن تطبق قريبا في بولندا، وهو ما دفع شركة وقود المستقبل لتدوير المخلفات «F2» إلى أن تحصل على إمكانية تنفيذ هذا المشروع في مصر، خاصة بعدما كشفت دراسة علمية أجراها معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة عن أن قمامة مصر من أغنى أنواع القمامة في العالم.

تكنولوجيا CPD لمن لا يعرفها، هي عبارة عن مفاعل يحاكي الطبيعة، فكما تحولت بقايا الكائنات الحية عبر سنوات طويلة إلى بترول يستطيع هذا المفاعل أن يقوم بنفس الدور خلال ثلاث دقائق فقط دون الإضرار بالبيئة حيث لا تخرج عنه انبعاثات ملوثة.

يمكن استخدام السولار المستخرج من المخلفات مباشرة كوقود محرك للسيارات

بداخل مفاعل CPD تتحول المواد العضوية الموجودة في القمامة إلى سولار في ثلاث دقائق، حيث يستخدم بدلا من المعادن الطينية مُحفِّزا آخر سريع المفعول يسمى حسب التعريف العلمي له بـ«الزيوليت ذو التبادل الأيونى البلوري»، وتصل درجة حرارة المفاعل التي تجرى فيه العملية ما بين 300 – 330 مئوية بالإضافة إلى سائل نفطي ناقل كبديل للماء وسرعة خلط عالية تصل إلى 300 دورة في الدقيقة وبعدها يمكننا أن نستخدم السولار المستخرج من المخلفات دون حاجة إلى تحسين جودته بل يمكن استخدامه مباشرة كوقود محرك للسيارات دون خوف عليها، بل وفي جميع المولدات التي تعمل بالديزل المنتج من البترول بدون أية تعديلات أو إضافات.

قبل أن ننتقل إلى كيفية تطبيقه في مصر، علينا أن نعرف أن دول العالم المتقدم التي تستخدم تقنيات حديثة في التعامل مع القمامة مثل CPD، يستطيع المواطن البسيط أن يستفيد من القمامة المتواجدة في منزله ويحصل على دخل إضافي عن طريق فصل قمامة منزله، ليجمع المخلفات البلاستيكية مع بعضها البعض ونفس الأمر بالنسبة إلى صفائح الزبدة والورق والزجاج وبقايا الطعام، ثم يذهب بها لشركات تدوير القمامة أو يتصل بها لتأتي إليه وتأخذها منه وتمنحه في المقابل ثمن تلك المخلفات حسب نوع كل منها ودرجة غناها بالمواد العضوية التي يمكن الاستفادة منها.

تقنية استخراج السولار من القمامة لا تستخدم سوى المخلفات العضوية، فهي تقتصر على المخلفات الزراعية والبلدية بعيدا عن المخلفات الصناعية والصلبة، ولكن يكفينا إننا سنتخلص من مخلفات زراعية تقدر سنويا بـ 24 مليون طن في السنة الواحدة و20 مليون طن مخلفات بلدية حسب تصريحات سابقة للدكتور عطوة حسين وكيل وزارة البيئة.

التخلص من النفايات والاستفادة منها

وعن فوائد المشروع يقول الدكتور المهندس عمرو حسب الله – رئيس مجلس إدارة شركة وقود المستقبل لتدوير المخلفات – إن الوحدات المستخدمة في هذه العملية لا ينتج عنها أي انبعاثات ضارة بالبيئة كما أن هذه التقنية ستؤدي إلى التخلص من النفايات والاستفادة منها، ولعل من أهم تلك المخلفات قش الأرز الذى يلجأ المزارعون سنويا إلى حرقه فيؤدى إلى ظاهرة السحابة السوداء التي تخنق محافظة القاهرة في شهري سبتمبر وأكتوبر، ونفس الأمر بالنسبة لمخلفات قصب السكر الجافة والمنتجات البلاستيكية، فعلى سبيل المثال ينتج طن قصب السكر من 360 إلى 400 لتر ديزل وطن خشب الأوكاليبتوس الجاف ينتج 160 إلى 320 لتر ديزل والنفايات البلاستيكية الجافة تنتج ما يصل إلى 800 لتر ديزل لكل طن، فيما ينتج طن النفايات البلدية المختلطة ما يصل إلى 650 لتر ديزل، فضلا عن إمكانية الاستفادة من بقايا المخلفات التي تشبه الرماد الغني بالمعادن القلوية التي تستخدم كسماد للأرض كما ينتج عن المفاعل ماء مقطر.

لا ينتج عنها أي ملوثات للغلاف الجوي

ومن أهم مزايا الديزل العضوي أنه يمثل حلا اقتصاديا لتمويل تكاليف جمع النفايات في المحافظات المختلفة بعيدا عن اللجوء إلى أموال الدولة أو فرض ضرائب إضافية. كما لا يتطلب المصنع أي مياه أو كهرباء خارجية لإتمام العملية التصنيعية، وبالتالي يعتبر مفاعل CPD مكتفياً ذاتياً عن المرافق الحكومية، فضلا عن أن المصنع الواحد لا يحتاج إلى مساحات أرض شاسعة ويمكن تركيبه على مساحات تتراوح من 15 إلى 30 ألف م2 بالقرب من مكبات القمامة أو مزارع الأرز مما يعني القضاء على المشاكل الناجمة عن دخان حرق قش الأرز حيث تستخدم هذه التقنية نظام الدائرة المغلقة منخفضة الضغط فلا ينتج عنها أي ملوثات للغلاف الجوي، بل يمكن أن تساهم المحطات الكبرى عند تزويدها بمولدات متكاملة في تحويل وقود الديزل مباشرة إلى طاقة كهربائية للاستخدام الداخلي أو للتوصيل للشبكة العمومية.

ومن الناحية الاجتماعية فإن الوحدة متوسطة الحجم حسبما يقول حسب الله تؤدي إلى توفير 100 فرصة عمل مباشرة بخلاف العمالة المؤقتة.

تنفيذ المشروع حسبما يقول حسب الله يتطلب أن تشرع الدولة وجوب خلط الديزل العادي مع نسبة من الديزل العضوي «حوالي %20 مثلاً». كما يمكن للدولة ممثلة في هيئة القياسات والمواصفات المصرية أن تضع المواصفات القياسية لهذا المنتج «الديزل العضوي» استعداداً لإنتاجه بواسطة أطراف مختلفة.