ميزان المدفوعات أو الأداءات بيان إحصائي يسجل -طبقا لمنهجية محددة- كل المبادلات التجارية (السلعية والخدمية)، وجميع التدفقات المالية التي تتم خلال السنة بين بلد معين وبقية دول العالم.

معايير دولية موحدة

لعب صندوق النقد الدولي دورا مهما في توحيد النظم الإحصائية الخاصة بالمعاملات الخارجية في العالم، عبر وضعه “دليل ميزان المدفوعات” ودعوته الدول الأعضاء إلى اعتماده كمنهجية موحدة في إعداد موازين مدفوعاتها، مما ساهم بشكل كبير في تعزيز قابلية الإحصائيات الاقتصادية للمقارنة على المستوى الدولي.

وقد أصبح تسجيل تدفقات ميزان المدفوعات في جُل الدول يتم وفقا لمعايير موحدة في دليل صندوق النقد الدولي الصادر عنه لهذا الغرض. وتعد هيكلة ميزان المدفوعات من أهم الأمور التي عمل الصندوق على توحيدها في هذا الإطار لإبراز معطيات مفصلة وتجميع أخرى.

وتستقى البيانات اللازمة لإعداد ميزان المدفوعات من التصاريح الجمركية عند التصدير والاستيراد، والتقارير المصرفية المتعلقة بعمليات تحويل واستقبال الأموال من وإلى الخارج.

هذا بالإضافة إلى المعلومات الإحصائية التي تدلي بها كافة المؤسسات العمومية والخصوصية -التي تتعامل مع الخارج- إلى الجهاز الحكومي المسؤول عن متابعة هذه المعاملات.

هيكلة ميزان المدفوعات

تنظم البيانات التي يقدمها ميزان المدفوعات -بناء على توصيات دليل صندوق النقد- في حسابين رئيسيين هما: حساب المعاملات الجارية وحساب رأس المال والعمليات المالية.

1- حساب المعاملات الجارية (أو الحساب الجاري):

يشمل هذا الحساب جميع العمليات المتعلقة بتصدير واستيراد السلع والخدمات، بالإضافة إلى العمليات التي تخص الدخل والتحويلات الجارية. وينقسم إلى أربعة أجزاء:

أ- السلع: يشمل هذا الجزء جميع العمليات المتعلقة بتبادل السلع، ويُميز هنا بين ثلاثة أنواع من السلع: البضائع العامة، والسلع المستوردة بدون أداء والمعاد تصديرها بعد التحويل، والسلع المقتناة في الموانئ والمطارات (المؤن).

ب- الخدمات: يحتوي ميزان المدفوعات على سبعة بنود للخدمات تتمثل في: النقل، والأسفار، وخدمات الاتصال، وخدمات التأمين، ورسوم الامتياز والتراخيص، وأنواع أخرى من الخدمات المقدمة للمقاولات، والخدمات الحكومية.

ج- الدخل: يهتم هذا الجزء من الحساب الجاري بكل العمليات التي تخص مداخيل عوامل الإنتاج (أي العمل ورأس المال) كالأجور ومعاشات التقاعد مثلا، بالإضافة إلى عائدات الاستثمار في الأسهم والسندات وغيرهما من الأصول، وفوائد الدين الخارجي.

د- التحويلات الجارية: تتعلق بتحويلات المغتربين المقيمين في الخارج وتحويلات الأجانب المقيمين داخل البلد.

2- حساب رأس المال والعمليات المالية:

وينقسم إلى جزأين:

أ- عمليات رأس المال: تتمثل هذه العمليات في تحويلات المغتربين الذين يغادرون ديار المهجر ويعودون إلى أوطانهم الأصلية بصفة نهائية، والتحويلات المتعلقة بالمغادرة النهائية للأجانب المقيمين سابقا، إضافة إلى الإعفاءات من الديون.

وتختلف التحويلات السالفة الذكر عن مثيلاتها المقيدة في حساب المعاملات الجارية بكونها ليست ذات طابع متكرر (جارٍ).

وتضاف إلى ما سبق التحويلاتُ المرتبطة بعمليات شراء أصول غير مالية ولا تصنف كاستثمارات مباشرة، كحقوق الملكية الفكرية (براءة اختراع أو تصميم صناعي أو علامة تجارية… إلخ).

ب- العمليات المالية: يشمل هذا الجزء كل العمليات التي تخص الاستثمارات المباشرة، والاستثمار في حافظات الأوراق المالية، والقروض الممنوحة للمؤسسات العمومية والقطاع الخاص على حد سواء (التسديدات برسم أصل الدين تقيد في جانب النفقات)، والودائع المصرفية، كما يضم بندا أخيرا خاصا بالاحتياطي النقدي الموجود في حوزة المصرف المركزي للدولة.

3- الفارق الإحصائي:

يسمح بموازنة ميزان المدفوعات (تعادل التدفقات نحو الداخل وإلى الخارج)، نظرا لإمكانية حصول خطأ أو سهو في تسجيل بعض البيانات في المصدر (التصاريح الجمركية أو المصرفية مثلا).

أهمية ميزان المدفوعات

يعد ميزان المدفوعات مصدرا غنيا بالمعلومات المتعلقة بأداء الاقتصادات على المستوى الدولي، ويتيح لصناع القرار إمكانية الوقوف على القدرة التنافسية لاقتصادات بلدانهم، وتقييم سياساتهم العمومية المؤثرة في المبادلات مع الخارج في عدة مجالات: السياسة التجارية، والسياسة الصناعية، والسياسة النقدية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية… إلخ.

فعلى سبيل المثال إذا كان الجزء المتعلق بالسلع (الميزان التجاري) يعاني من رصيد سالب، فذلك يعني أن قيمة الواردات تفوق قيمة الصادرات. ويعكس هذا الوضع ضعفا في قدرة المنتجات المحلية على منافسة المنتجات المستوردة من الخارج في السوق المحلية، وعجزا في الولوج إلى الأسواق الدولية.

كما أن العجز التجاري يمكن أن يكون سببه تخصص سيئ على مستوى سلم القيمة الصناعية، بحيث يتخصص البلد في تصنيع منتجات ذات قيمة مضافة ضعيفة، أو يكتفي باستغلال موارده الطبيعية وتصديرها إلى الخارج دون أي تحويل في خاميتها.

وفي جانب آخر، يمكن أن يُتخذ الجزء الخاص بالعمليات المالية -وخاصة البندين الأولين منه- مؤشرا مفيدا ينبئ عن مدى ثقة الأجانب في الاقتصاد الوطني وقدرته على استقطاب الاستثمارات. ويوفر فرصة لتقييم فعالية السياسات والتدابير المتخذة في هذا الإطار.

وفي النهاية تبقى القدرة على قراءة ميزان المدفوعات بشكل صحيح وفهم الأبعاد الكامنة وراء أرقامه، ضرورة بالغة الأهمية من أجل تلمس الاتجاهات التي يسير إليها الاقتصاد، وفرصة لإعادة توجيه السياسات بما يضمن تصحيح الاختلالات وتعزيز الاختيارات الصائبة في السياسة الاقتصادية الكلية للدولة.