الانكماش الاقتصادي (Recession) هو تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المصَحح من التضخم) خلال فصلين متواليين (ستة أشهر) على الأقل.

وتعد هذه الحالة إحدى مراحل الدورة الاقتصادية التي تتعاقب مع مرحلة النمو، غير أن طول مدتها أصبح هما مقلقا لصناع القرار في الاقتصادات الرأسمالية.

الآثار

حينما يدخل بلد ما في مرحلة انكماش اقتصادي فإن ذلك يكون مصحوبا بآثارعدة تدل عليه، منها على سبيل المثال:

– انخفاض الطلب الإجمالي بسبب تراجع الاستهلاك والاستثمار.

– ارتفاع أعداد الشركات التي تكون في حالة إفلاس بسبب انخفاض الطلب الموجه إليها..

– ارتفاع معدلات البطالة بسبب تسريح الشركات للعمال وعجز الاقتصاد عن خلق وظائف وفرص عمل جديدة.

– انخفاض قيمة الأصول (الأسهم والعقارات مثلا) بسبب انحسار نشاط المضاربة وتعرض الأسعار للتصحيح التقني.

– انخفاض الإيرادات الضريبية التي تحصلها الدولة بسبب تراجع الاستهلاك وأرباح الشركات.

الأسباب

يوجد العديد من الأسباب التي من الممكن أن تؤدي -منفردة أو متضافرة- إلى انكماش النشاط الاقتصادي وتراجع الإنتاج:

– الصدمات الخارجية التي يتلقاها الاقتصاد من خلال تراجع الطلب الخارجي على المنتجات المحلية، أو تقلص أعداد السياح الوافدين، أو انخفاض تحويلات العمال المقيمين بالخارج، أو ارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقية المستوردة (النفط نموذجا).

وتؤدي جميع هذه الصدمات إلى تراجع الطلب الإجمالي، وينخفض مستوى الإنتاج تبعا لذلك.

– حدوث أزمات بسبب انفجار الفقاعات المالية التي تنشأ عن المضاربة بعد عودة أسعار الأصول (أوراق مالية أو عقارات) إلى مستوياتها الطبيعية. وتمثل أزمة الرهن العقاري التي اندلعت في الولايات المتحدة صيف 2007 نموذجا يُستشهد به في هذا السياق.

– التقشف الحكومي في الإنفاق رغبة في خفض عجز الميزانية وتصحيح الاختلالات التي تكون المالية العمومية قد عرفتها في مرحلة سابقة (الإنفاق التوسعي)، وينجم عن هذا تراجع في الاستهلاك والاستثمار العمومي، ويؤدي بالتالي إلى انخفاض الطلب الإجمالي الذي يعقبه انخفاض في الإنتاج.

– اعتماد المصرف المركزي لـ سياسة نقدية تقييدية (انكماشية) رغبة في التحكم في الأسعار ومواجهة التضخم، مما ينعكس سلبا على الائتمان بسبب ارتفاع سعر الفائدة وتناقص السيولة (الكتلة النقدية المتداولة).

الانكماش والكساد

عندما يتعرض اقتصاد ما لانكماش بمعدلات قياسية فإن ذلك يدعى كسادا أو انهيارا اقتصاديا (Economic Depression)، مثل الكساد الكبير (أو العظيم) الذي عرفته الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي والذي نتج عن أزمة عام 1929، وتقلص حينها الاقتصاد الأميركي بحوالي 30% على مدى أربع سنوات.

وعلى الرغم من عدم وجود تعريف رسمي معتمد لمصطلح الكساد فإن أغلبية من المحللين الاقتصاديين يتحدثون عن الكساد حينما ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل يفوق 10%.

وقد عرف العالم حالات قليلة من الكساد الاقتصادي منذ ستينيات القرن الماضي، منها الكساد الذي وقع بفنلندا في التسعينيات من القرن الماضي، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعا بنحو 14%.

وترجع أسباب هذا الكساد إلى انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يعد شريكا تجاريا مهما لفنلندا وسوقا أساسية لصادرات الشركات الفنلندية.

الاقتصاد البريطاني

كشفت دراسة استقصائية أنجزتها شركة ماركت للبيانات المالية أن الاقتصاد البريطاني يشهد حاليا انكماشا بوتيرة هي الأسرع منذ عام 2009، وتأتي هذه الدراسة في غضون تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016.

وصرحت الشركة بأن مؤشرها الشهري لمديري المشتريات في يوليو/تموز أظهر تراجعا حادا لنشاط الشركات مقارنة بمستواه في يونيو/حزيران، وتشير الدراسة إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.4% في فترة ثلاثة أشهر حتى سبتمبر/أيلول الجاري، وهو معدل لم تشهده البلاد منذ مطلع 2009.

ومن جهة أخرى أجرت وكالة رويترز استطلاعا في أغسطس/آب 2016 يفيد بأن خبراء الاقتصاد يرون أن احتمالات دخول بريطانيا في حالة انكماش اقتصادي خلال عام 2016 تصل إلى 60% في أعقاب استفتاء الخروج (Brexit).

وكانت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قد نشرت في وقت سابق آراء لمجموعة من الاقتصاديين حذروا من دخول الاقتصاد البريطاني في انكماش إذا ما أقدمت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقد سجلت الصحيفة في عددها الصادر في السادس من يوليو/تموز 2016 تراجعا في مستوى الاستهلاك والتوظيف وانخفاضا لأسعار العقارات بسبب شيوع حالة من عدم اليقين وعجز الثقة وغياب رؤية واضحة عند الأفراد والشركات في المستقبل.