التجنب الضريبي (Tax avoidance) هو قيام المكلف الخاضع للضريبة بتوسُّل طرق وأساليب مشروعة قانونيا من أجل تخفيض مبلغ الضريبة المفروضة عليه، أو بُغية عدم الخضوع لها أصلا عن طريق تجنب الواقعة المنشئة للضريبة (عبر تغيير مكان الإقامة الرئيسي مثلا) أو الاستفادة من أحد الإعفاءات الضريبية.

ويجب التمييز في هذا المجال بين التجنب الضريبي الذي لا ينتهك القانون وإن كانت بعض أساليبه قد توصف بكونها غير أخلاقية ومدفوعة بنية استغلال الثغرات الموجودة في النصوص القانونية، وبين التهرب الضريبي (Tax evasion) من جهة أخرى الذي يجرمه القانون ويعاقب عليه.

الأسباب

توجد عدة أسباب وراء تمكن المكلفين الخاضعين للضريبة في بلد ما (أفرادا وشركات) من تجنب الضرائب كليا أو جزئيا، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:

– الثغرات الموجودة في النصوص القانونية، وكثرة الإعفاءات والاستثناءات الضريبية التي يسهل استغلالها من أجل تجنب الخضوع للضريبة.

– المنافسة الضريبية المحتدمة بين الدول، وتسابقها المستمر نحو جذب الشركات وأصحاب الثروات عبر تخفيض معدلات الضرائب المفروضة.

– كثرة الملاذات الضريبية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم، وسهولة الإجراءات اللازمة من أجل تسجيل الشركات بها أو الحصول على الإقامة فيها بالنسبة للأفراد.

وهذا يُتيح الفرصة للشركات وللأفراد تغيير موطنهم الضريبي إلى أماكن تفرض معدلات متدنية جدا من الضريبة على الدخل والشركات، أو تكون معفاة تماما من هذه الضرائب.

الطرق

تتعدد الطرق والأساليب التي يتبعها الأفراد والشركات من أجل تجنب الضرائب، ومنها ما يأتي:

– تسجيل المقر الرئيسي للشركة في إقليم معفى من الضريبة أو مستفيد من تخفيضات ضريبية، بينما تقوم هذه الشركة بمزاولة جل نشاطها في أقاليم أخرى خاضعة للضريبة.

– نقل السلع من الشركات التابعة للشركات الأم مقابل أسعار تحويل منخفضة تغطي بالكاد التكاليف، مما يؤدي إلى تدني الأرباح والضرائب المترتبة عنها في بلد الإنتاج.

أسعار التحويل

وتلجأ جلّ الشركات العابرة للأوطان (Transnational Firms) في زمن العولمة إلى تنظيم عمليات الإنتاج على مستوى العالم، وتوزيع سلسلة القيمة على أكثر من بلد بحسب الميزات التنافسية التي يوفرها كل بلد (وفرة الموارد الطبيعية، يد عاملة ماهرة وغير مكلفة، شروط بيئية غير مشددة، منظومة الحوافز…)، وبناء على المتطلبات التي يستدعيها إنتاج كل حلقة من حلقات هذه السلسلة بأقل التكاليف.

فلم يعد إذن موطن الإنتاج مرتبطا بالضرورة بالمكان الذي سيتم فيه التسويق، لأن الولوج إلى جميع الأسواق غدا مكفولا بقوانين منظمة التجارة العالمية، كما انخفضت تكاليف النقل بشكل بالغ ولم تعد تمثل نصيبا مهما من الكلفة الإجمالية للمنتجات.

وفي ظل هذا الوضع، أصبحت الشركات الأم تكلف الشركات التابعة لها في العالم بتنفيذ الإنتاج، بينما هي تقوم بالتسويق النهائي للسلع، ولكن بشكل صوري فقط (فاتورة البيع للزبون تحمل اسم الشركة الأم وبياناتها) إذ لا تمر السلع بالبلد الذي يحتضن مقرات الشركة الأم، وتقوم الشركة التابعة بتصديرها مباشرة من مصانعها باتجاه بلد المشتري.

وتُنقل السلع محاسبيا من الشركة التابعة إلى الشركة الأم عبر عملية بيع تتم بأسعار منخفضة تغطي بالكاد التكاليف وتُعرف بأسعار التحويل (Transfer Pricing)، بينما تبيع الشركة الأم السلعة بأسعار عالية وهامش ربح كبير.

وهذا يؤدي في المحصلة إلى دفع ضريبة منخفضة في بلد الإنتاج بالنظر إلى هامش الربح المتدني، بينما تحقق الشركة الأم أرباحا طائلة تؤدي عنها ضرائب زهيدة بفضل تسجيل نفسها في أحد الملاذات الضريبية أو بلد من البلدان التي تفرض معدلات ضرائب متدنية.

الأضرار

أصبح التجنب الضريبي آفة تعاني منها معظم بلدان العالم، الغنية منها والفقيرة على حد السواء، بسبب العولمة (الانفتاح التجاري والمالي) واستئثار الشركات الدولية والعابرة للأوطان بالنصيب الأكبر من الاقتصاد العالمي.

ويحد التجنب الضريبي -أسوة بالتهرب الضريبي- من قدرة الحكومات على الإنفاق العمومي، مما يضعف جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين ويقلل فرص الاستثمار، ويُعيق عملية النمو والتنمية الاقتصادية.

ومن جهة أخرى، يؤدي التجنب الضريبي إلى ضيق الوعاء الجبائي، فتصير الدولة مرغمة على زيادة العبء الضريبي الملقى على كاهل الشركات والأفراد الذين لا يجدون سبيلا إلى تجنب أداء الضريبة.