بكتيريا سحرية تحول ضوء الشمس إلى نفط
في إطار الجهود العالمية المتزايدة للبحث عن مصادر مستدامة للطاقة يعلق قطاع كبير من العلماء والشركات أيضاً الآمال على تجنيد جيل جديد من الميكروبات المعدلة وراثياً، يمكنه تحويل ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون إلى نفط.
يشيع وجود البكتيريا السيانية المركبة للضوء على نطاق واسع جداً في الطبيعة، لكن البكتيريا التي تجري عليها التجارب الآن تختلف عن نظيراتها البرية، فقد تم تعديل حمضها النووي الوراثي (دي إن إيه) بحيث تقوم، عندما يتوفر لها الضوء والماء وثاني أكسيد الكربون، بإفراز مركبات كيميائية تعرف باسم «ألكينات»، أو الهيدروكربونات غير المشبعة، وهي تعتبر المكونات الأساسية للديزل.
وتتصور شركة التكنولوجيا الحيوية الأميركية «جول أنليميتد»، التي تقوم باستنبات هذا النوع من البكتيريا، مستقبلاً تمتلئ فيه رقع كبيرة من الأراضي الصحراوية بمفاعلات حيوية، هي عبارة عن خزانات هائلة تعج بداخلها بكتيريا التمثيل الضوئي وتضخ الألكينات عندما تسطع عليها الشمس. وهناك فائدة أخرى لإنتاج النفط بهذه الطريقة التي تسخر طاقة الشمس، وهي أن غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تستنشقه البكتيريا يمكن أن يأتي من الانبعاثات الصناعية، وهو ما سيوفر على الشركات تكلفة الاستثمار في تطوير تكنولوجيا دفن غازات الاحتباس الحراري بشكل آمن.
رؤية متفائلة
وكما هو متوقع فقد استقطبت هذه الرؤية المتفائلة اهتماماً إعلامياً واسعاً. وتحرص شركة جول إلى الآن على التكتم بشأن ما أسمته وسائل الإعلام بـ «البكتيريا السحرية»، لكن مجلة «نيوساينتست» العلمية قالت في تقرير خاص عن هذا الموضوع نشرته في عددها الأخير إن بعض براءات الاختراع التي سجلتها الشركة باسمها أخيراً توحي بأن النهج الذي تتبعه قائم على أساس علمي سليم.
وفكرة الوقود الحيوي بحد ذاتها ليست جديدة، لكن نظام شركة جول يعتبر إضافة استثنائية للجيل الثالث من هذه التكنولوجيا. وكان الجيل الأول قد فشل بسبب تنافسه على الموارد مع صناعة الأغذية، إذ يعتمد على تحويل مزيج من السكريات والنشويات والزيوت المأخوذة من قصب السكر والذرة، فيما اعتمد الجيل الثاني على إنتاج الوقود من السليلوز وأنواع النباتات غير الصالحة للأكل، لكن هذه تتسم بصعوبة تفكيكها بتكلفة معقولة إلى جزيئات بسيطة على غرار تلك الموجودة في الوقود.
أما الجيل الأخير من أصناف الوقود الحيوي فهو مشتق من ميكروبات يمكن أن تعيش على أراض غير صالحة للزراعة وتستطيع إنتاج مركبات كيميائية شبه جاهزة للاحتراق في المحركات. وهناك منافسة شديدة بين مطوري الوقود الحيوي من الجيل الثالث، لكن شركة جول حققت إلى الآن قفزات مثيرة للإعجاب باتجاه النجاح التجاري.
فمعظم منافسيها يستخدمون الطحالب التي تنتج النفط داخل جدران خلاياها، لكن جراثيم جول السحرية هي من نوع البكتيريا السيانية التي تفرز «ألكينات» إلى خارج أجسامها لتطفو على سطح المفاعل على نحو يجعل من السهل جمعها. والأجمل من ذلك ايضاً أن ألكينات لها سلاسل كربونية يتراوح طولها بين 13 و 19 جزيئاً، وهو الحد المناسب لإنتاج الديزل، بحسب دان روبرتسون، نائب رئيس العلوم البيولوجية بالشركة.
تلاعب جيني
ولقد أصبح علماء الأحياء الدقيقة بارعين جداً في القيام بعمليات التلاعب الجيني التي تحفز البكتيريا لتحويل «معظم طاقتها» لإنتاج مواد كيميائية مفيدة، كما يقول كاميرون كوتس، الذي يحاول إنتاج الوقود من الميكروبات في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في سان دييغو بولاية كاليفورينا. ويقول روبرتسون ان ميكروبات جول يمكن أن تحول 90 بالمئة أو أكثر من الكربون الذي تثبته خلال التمثيل الضوئي إلى ألكينات أو مركبات كحولية يمكن استخدامها في إنتاج الوقود. لكن كوتس يشير إلى أنه لن يكون بوسع شركة جول إثبات تمكنها بالفعل من الوصول إلى هذا المردود إلا عند تطبيقه على نطاق إنتاجي كبير.
وربما لن يضطر كوتس للانتظار طويلاً، فلقد بدأت جول بالفعل بتشغيل معمل حيوي تجريبي يغطي مساحة 0.8 هكتار في دياندر بولاية تكساس. وفي 5 مايو الماضي، أعلنت الشركة أنها أمنت 486 هكتاراً في مقاطعة لي بولاية نيومكسيكو، لإنشاء معمل حيوي مماثل لإنتاج والإيثانول والديزل، مع إمكانية توسيع نطاق المشروع إلى مساحة 2000 هكتار.
وتقول جول انها تستطيع، بواسطة ميكروباتها المهندسة وراثياً إنتاج الإيثانول بمعدل 93 ألف لتر لكل هكتار بالسنة، مشيرة إلى أن موقعها في نيوميسكو سيولد 45 مليون لتر بالسنة، رافعاً الرقم إلى 200 مليون لتر إذا تم توسيع الموقع إلى 2000 هكتار. مشكلات متعددة
ما ينجح نظرياً أو على نطاق مخبري ضيق ربما لا ينجح عملياً على نطاق تجاري واسع، وحتى الآن لم تتمكن أي شركة من إنتاج الوقود بكميات كبيرة باستخدام الكائنات الدقيقة المهندسة وراثياً. ويقول لويس شيرمان، الذي يدرس البكتيريا السيانية في جامعة بوردو الأميركية: ما يتحدث هؤلاء عنه ممكن علمياً، لكن يجب اختباره على نطاق كبير، وأنا متلهف لرؤية ما سيحدث بعد عام أو عامين من بدء علميات الإنتاج التجاري الفعلي. هناك مشكلات عديدة، لا يمكنك التنبؤ بها الآن.
وفي هذه الأثناء ليس أمام الخبراء سوى الاستثمار في هذه التكنولوجيا الواعدة وعقد الآمال على نجاحها على المدى البعيد.