الأزمة النفطية المقبلة
تتبلور في الأفق أزمة نفطية كبيرة قد تؤدي إلى أزمة طاقة عالمية. أحد أسباب هذه الأزمة التوقعات المتطرفة لوكالة الطاقة الدولية، التي تشير إلى زيادة ضخمة في إنتاج النفط الصخري الأميركي تتجاوز النمو في الطلب العالمي على النفط، في الوقت الذي تبالغ به في المؤثرات التي تخفض الطلب على النفط. وبمبالغة وكالة الطاقة الدولية وغيرها في نمو النفط الصخري فإنها تبعث برسالة واضحة إلى الدول والشركات النفطية بعدم الاستثمار في حقول وآبار جديدة. فإذا فشل الصخري في تحقيق هذه التوقعات، ما البديل؟
تجاهل نوعية النفط
النفط الصخري الأميركي من النوع الخفيف، الخفيف جدا، والمكثفات. فعندما تقول وكالة الطاقة الدولية وغيرها أن هذا النفط سينمو بشكل أكبر من نمو الطلب العالمي على النفط، وبالتالي فإنه وحده يفي بهذا النمو، فإنهم يتجاهلون حقيقتين:
1- عدم المواءمة بين نوعية النفط المستخرج وقدرة المصافي على تكرير هذا النوع من النفط
2- عدم المواءمة بين نوعية النفط المستخرج والمنتجات النفطية المطلوبة مستقبلاً.
وبالتالي فإن توقعات وكالة الطاقة الدولية تناقض نفسها: إذا كانت نوعية الصخري لا تنتج المنتجات النفطية التي تتوقع وكالة الطاقة زيادة الطلب عليها، فكيف سيتم تسويق النفط الصخري؟ وبالتالي فكيف سينمو إذا لم يكن لديه سوق؟
مشكلة الصخري
تاريخياً، كان هناك قناعة عامة لدى الخبراء بأن إنتاج النفط العالمي يتجه نحو النوعيات الأثقل من ناحية النوعية، فاستثمرت المصافي عشرات المليارات من الدولارات للتعامل مع هذه النوعية من النفوط. وما أن انتهت من عمليات التطوير هذه حتى حدثت ثورة الصخري في الولايات المتحدة. فحصل عدم توافق بين نوعية النفط المنتج وقدرة المصافي على تكريره بعد أن وصلت المصافي الأميركية إلى حد الإشباع، أو ما يمكن تسميته بـ”حائط أو جدار التكرير”، حيث لا يمكن تجاوزه، فانخفضت أسعار الخام الأميركي بشكل كبير في الأسواق الأميركية لدرجة أن الفروقات السعرية بين النفط الأميركي والنفط المماثل في الأسواق العالمية وصل إلى قرابة 20 دولارا للبرميل. وسبب ذلك هو عدم قدرة منتجي النفط الأميركي على تصديره بسبب قرار رئاسي منذ السبعينيات يقضي بمنع تصدير النفط الأميركي. ثم أصدر الرئيس باراك أوباما قرارا رئاسيا يلغي القرار القديم ويسمح بتصدير النفط الأميركي، الأمر الذي نتج عنه تصدير كل الزيادة في إنتاج النفط الصخري إلى الأسواق العالمية.
إلا أن الزيادة في إنتاج الصخري المتوقعة من قبل وكالة الطاقة لا تتواءم مع القدرة التكريرية في المصافي العالمية، لذلك فإن “الجدار التكريري” الذي حصل في الولايات المتحدة سيتكرر في البلاد الأخرى، الأمر الذي يعني عدم القدرة على تسويق المزيد من النفط الصخري، وسينتج عن ذلك انخفاض أسعاره وزيادة الفروق السعرية بين النفوط الخفيفة والنفوط الأثقل. وستستمر الفروقات في الزيادة حتى ينخفض سعر النفط الصخري إلى التكلفة الحديّة، وسيتوقف نمو إنتاجه، مثبتا بذلك أن التوقعات بزيادة كبيرة في إنتاجه في السنوات المقبلة غير صحيحة. وبهذا فإن نمو إنتاج النفط الصخري سيخنق نفسه بنفسه!
وكالة الطاقة الدولية تردّ على هذه الفكرة بقولها إن المصافي ستستثمر في طاقة تكريرية إضافية لاستيعاب النفط الخفيف من الصخري، وبالتالي فإن إنتاجه سيستمر بالزيادة حسب توقعاتها. ويُردّ على ذلك بأن المصافي لن تستثمر بشكل كافٍ، لأسباب عدة أهمها أن الطلب على المنتجات النفطية يختلف عن المنتجات التي ينتجها الصخري، وأن الدورة الاستثمارية للصخري من عامين إلى ثلاثة، بينما المصافي تستثمر لثلاثين عاما أو أكثر.
وبما أن النفط الصخري هو نفط خفيف، وخفيف جدا، ومكثفات، فإن ما يمكن أن ينتج عنه في المصافي بشكل مجدٍ هو البنزين والنافثا والغازات السائلة. إلا أن التوقعات المستقبلية المتوسطة والطويلة الأجل تشير إلى زيادة كبيرة في الطلب على الديزل والمنتجات النفطية الأثقل، بينما سيكون النمو في الطلب على البنزين قليلا. وترى الوكالة وغيرها انخفاضا في الطلب على البنزين.
فإذا كانت أغلب الزيادة في إنتاج النفط من النوع الخفيف التي ينتج بنزين ونافثا، من أين يمكن مقابلة الطلب المتزايد على المنتجات الأثقل مثل الديزل؟
مشكلة المزج
يتم مزج النفوط الخفيفة والثقيلة للحصول على نفوط متوسطة. إلا أن عملية مزج الخفيف جدا مع الثقيل- كما يحدث بين خامي غرب كندا وخام حقل باكان في نورث داكوتا، لها مشاكلها أيضا، وهناك بعض المصافي التي لا ترغبه لسببين: الأول أن النوع الطبيعي المتوسط ينتج كمية أكبر من الديزل والمنتجات المتوسطة من مثيله الممزوج، والثاني أن هناك مخلفات من الممزوج لا ترغب المصافي في الحصول عليها لأن عملية التكرير ينتج عنها منتجات خفيفة جدا ومنتجات ثقيلة، ولا ينتج متوسطة مع أنه يباع في السوق على أنه متوسط النوعية.
إلا أن الجازولين الطبيعي، وهو أحد الغازات السائلة التي يتم إنتاجها من آبار الصخري، يتم تصديره إلى فنزويلا وكندا لمزجه مع النفط الثقيل وتمييعه كي يتمكنوا من نقله بالأنابيب والسفن. عملية الخلط هذه تختلف عن عملية الخلط المذكورة أعلاه، والتي تتضمن نفوطا مختلفة للحصول على نفط بمواصفات معينة. بعبارة أخرى، هناك مزج غازات سائلة بنفط وهذا مقبول، وهناك مزج نفوط ببعضها، وهذا يسبب بعض المشاكل لبعض المصافي.
الخلاصة:
سيخنق نمو النفط الصخري نفسه بنفسه بسبب نوعيته، وذلك بسبب عدم وجود طاقة تكريرية كافية خلال السنوات المقبلة من جهة، ولأن المنتجات المستخرجة من النفط الصخري غير مرغوبة في الأسواق مستقبلا مقارنة بالمنتجات الأثقل المستخرجة من النفط الأثقل.
إن عملية المزج تحل المشكلة جزئيا ولكنها لا تحلها كليا، الأمر الذي يعني أن توقعات الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة متفائلة جدا. وبما أنه لن يكون هناك بديل للصخري بسبب تخوف المنتجين الآخرين من الاستثمار في طاقة إنتاجية إضافية، فإنه يتوقع حدوث أزمة نفطية كبيرة فد تتحول إلى أزمة طاقة عالمية. وسينتج عنها ارتفاع شديد في أسعار نفوط دول الخليج وأغلب دول أوبك، بينما ستنخفض أسعار النفط الصخري بشكل كبير. وبعد أن ينخفض إنتاج الصخري سيتم توازن الأسعار وانخفاض الفروقات السعرية.