لماذا البترول ذو أهمية اقتصادية؟ ولماذا هو ذهب أسود؟
البترول في زمننا هذا صار هو السلعة الأهم على الإطلاق، ويدعو العلماء إلى ضرورة إحسان استغلاله، لضمان استمراره لأطول فترة ممكنة، إذ إنهم يعدون البترول أهم العوامل اللازمة لاستمرار الحضارة البشرية على سطح الأرض، والسؤال هنا هو لماذا يشكل البترول هذه الأهمية؟، ولماذا يحمل لقب الذهب الأسود؟، ذلك الذهب الغطيس الذي اندلعت حروب عِدة طمعاً فيه، ورغبة في السيطرة على آباره ومنابعه، بدعوى إن من يملك البترول بيد فإنه سيملك العالم باليد الأخرى.
البترول وأهميته الاقتصادية:
حياتنا المعاصرة مستمرة ما دامت آبار البترول مستمرة في النضوح بما فيها، هكذا أوجز أحد الخبراء أهمية البترول حين تم سؤاله عنها، وبنسبة كبيرة قد أصاب في إجابته، ويمكننا تبين ذلك من العوامل التي تشكل أهمية هذا المنتج، وهي:
-
من مقومات الصناعة الأساسية:
إن زمننا المعاصر هو -بلا شك- زمن الصناعة، فالنفوذ الدولي لبعض الدول التي تحمل لقب عظمى، يرتبط ارتباط وثيق بمدى القوة العسكرية لهذه الدول، والقوة العسكرية لا تؤسس إلا على اقتصاد فولاذي، قادر على مواجهة الأزمات الطاحنة التي تضرب العالم كل حين، وهذا النمط الاقتصادي لا يتأتى إلا من خلال خلق مجتمع صناعي منتج، ومن هنا تأتي أهمية البترول ،إذ إن بدونه ستتوقف ماكينات هذه المصانع عن الدوران، وبالتالي سينعدم انتاجها، وستتوقف حركة النقل والشحن والتصدير، وباختصار إن اختفاء البترول من الوجود سيؤدي إلى شلل كوكب الأرض بشكل تام، وسيعود بأهله إلى العصور البدائية بحقبة ما قبل التاريخ، حيث يمثل البترول أو النفط المصدر الرئيسي للطاقة الصناعية في العالم، ولعل الدليل الأكبر على صحة هذا التسلسل المذكور، والذي يمكننا أن نتبين منه بوضوح مدى أهمية البترول لدول العالم الكبرى، هو ما حدث خلال حرب أكتوبر، حين مارست الدول العربية ضغطاً على الولايات المتحدة ومؤيدو الكيان الصهيوني، حين هددوا بالامتناع عن تصدير النفط وإمدادهم به، فأجبروهم على إيقاف مساعدتهم إلى القوات المحتلة.
-
مصدر الطاقة الأسهل نقلاً:
إن كانت الأهمية الأكبر للنفط تتمثل في كونه مصدراً للطاقة، فهو ليس المصدر الوحيد، فهناك الفحم على سبيل المثال يعد مصدراً جيداً للطاقة، فما السر الذي يجعل البترول هو مصدر الطاقة الأهم في العالم؟.. السر يكمن في كونه سائلاً، فـ البترول برغم ما يحققه من عائدات ضخمة لمصدريه، إلا إنه يصنف ضمن مصادر الطاقة رخيصة الثمن، إذا ما تمت مقارنة الفائدة التي تتحقق منه بقيمته المادية سنتأكد من ذلك، بجانب هذا فإن البترول مادة أولية عالية الطاقة سائلة الصورة، وهذه الصورة السائلة التي يكون عليها البترول تعد من أبرز عوامل تميزه، إذ إنها تسهل بنسبة كبيرة من القيام بالمراحل المختلفة التي يمر بها، ابتداء من عملية الاستخراج من الأرض، وحتى عملية تصديره مروراً بعمليتي التعبئة والتخزين، ولا يوجد مصدر طاقة آخر يُنتج في صورة سائلة سوى الغاز الطبيعي، الذي يعد بمثابة المنافس الأول والأوحد للطاقة البترولية، أمام الأنواع الأخرى من المحروقات مثل الفحم، فرغم إنه مصدر جيد للطاقة وقد استخدم قديماً بالفعل لتشغيل المصانع، إلا إن صلب ولهذا يصعب نقله وتخزينه، بجانب إن الدراسات أثبتت إن استخدامه له آثار سلبية ومدمرة على البيئة.
-
طاقة غير محدودة:
عامل آخر يجعل من البترول أو الطاقة البترولية الأهم على الإطلاق، وهو إن تلك الطاقة التي تتخلق عن استخدام المواد النفطية، هي طاقة يمكن التعبير عنها بمصطلح “الطاقة الغير المحدودة”، فبعض الهيئات والجهات المعنية بأمور البيئة، والمنادية بمكافحة التلوث البيئي والحد من انتشاره، تنادي بالاستعاضة عن البترول والفحم وما يماثلهما من مصادر الطاقة، بمصادر الطاقة الآمنة ومن أمثلتها استخدام الطاقة الشمسية، أو تطبيق الأبحاث الحديثة التي تؤكد على إمكانية تحويل النبات إلى طاقة، ولكن العلم أثبت إن هذه النظريات جميعها مستحيلة التطبيق على أرض الواقع، وفي كل الأحوال لن يمكننا الاستغناء عن البترول ،وهذا ليس لتميزه إنما للقصور بالمصادر الأخرى للطاقة، فالطاقة التي تتخلق عن استخدام الخلايا الشمسية، أو إعادة تدوير المخلفات أو استمدادها من النبات، جميعها طاقات محدودة تكفي فقط للاستخدام المنزلي، بعكس البترول والغاز الطبيعي فهم يمكن الاستعانة بهم لأغراض صناعية.
ولكن مؤيدو استخدام البترول كمصدر للطاقة، يشجعون في الوقت ذاته على استغلال الصور الأخرى للطاقة، مثل الطاقة الشمسية أو تلك المستخرجة من النباتات، في محاولة لخفض معدلات استهلاك البترول والغاز الطبيعي منزلياً، وتوفير موارد الأرض من هذا النوع للأعمال المتطلبة للطاقة الهائلة، وأولها تشغيل المصانع والآلات العملاقة.
-
الكثير من المشتقات:
العلاقة الرابطة بين البترول والمجال الصناعي متعددة الأشكال، إذ إنها لا تقتصر على كونه أحد أهم مصادر الطاقة فحسب، بل إن البترول في بعض الأحيان يمثل المادة الخام لعدد من الصناعات، فخلال القرن المنصرم لم يتوقف العلماء عن تحليل البترول واستكشاف خواصه، وأوصلتهم درساتهم إلى إقامة المصافي ومحطات التكرير، ومن ثم بدأت عملية استخراج مشتقات البترول من النفط الخام، مما يعني إن بئر البترول لا ينضح بمادة طاقية فحسب، بل إنه يمدنا بالعديد من المواد التي تستغل فيما بعض في العديد من الصناعات، منها صناعة البلاستيك ومنتجات الكوسمتك والعطور وغيرها، فمشتقات البترول ينتج عن تدويرها عدد هائل من المنتجات الاستهلاكية، بعضها بالغ الأهمية ويعد من المنتجات الاساسية، وبعضها تكميلي مثل تصنيع مواد التعبئة والتغليف.
-
مصدر للدخل القومي:
كل ما سلف ذكره من عوامل تشكل أهمية البترول ،هي عوامل تمثل أهميته بالنسبة للدول المستوردة أو المستهلكة لهذا المصدر الطاقي، لكن ما الفائدة التي تعود على مستخرجه أو مُصدره.. دول قارة إفريقيا وبعض الدول الآسيوية هم الأغنى بـ البترول ،فأراضيهم تحتوي على الكم الأكبر من آبار الذهب الأسود، ويمثل البترول بالنسبة لمصدريه ثروة طائلة وهائلة، وكل دولة تتواجد آبار البترول في نطاق الحدود السياسية لها، هي دولة ثرية تتمتع باقتصاد قوي، ومن الدول العربية التي ينطبق عليها ذلك، دولة الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة وغيرهما، كذلك سلطنة بروناي الآسيوية هي من أهم الدول المصدرة للبترول، وهذه الدول جميعها يشكل البترول المصدر الرئيسي لدخلها القومي.
تحقيق النهضة والتنمية:
الفائدة الثانية التي تعود من البترول على الدول المُنتجة له، هي إنه يساهم في خلق التنمية وإحداث النهضة على أراضيها، فالطفرة الحضارية الهائلة التي أحدثتها إمارة دبي وصارت مثلاً يحتذى به، جاءت في الأساس معتمدة على عائدات تجارة البترول ،والأمر نفسه يمكن قوله عن كافة دول الخليج العربي، فقد استغلت هذه الدول جميعها الفائص بالدخل القومي، والمحقق عن طريق متاجرتها بالسلعة الاستراتيجية الأهم وهي البترول ،في أعمال العمران وإقامة المدن وتطويرها، وهذا أمر اختياري يختلف باختلاف أساليب إدارة الدولة لمواردها، إما النهضة الأخرى فهي ذات طابع صناعي، فاكتشاف آبار البترول هو أول خطوة على الطريق فقط، يليها إقامة مجموعة من المشاريع اللازمة لاستغلال هذه الثروة الكامنة في الأرض، فتتم إقامة محطات تكرير البترول وفصل مشتقاته، وكذا إقامة الطرق السريعة لتسهيل عمليات النقل، وكذا عمل توسيعات بعدد من الموانئ لتتسع أحواضها لناقلات النفط العملاقة، وهذا كله يضاعف من قيمة البترول ويزيد من الدخل القومي للبلاد، بجانب إنه يوفر آلاف فرص العمل بكافة المجالات.