
مخلفات الخرسانة والقيمة الاقتصادية لتدويرها
في ظل الاستنزاف المخيف للموارد الطبيعية على كوكب الارض برزت الحاجة إلى العديد من التقنيات التي من خلالها إما يقلل استخدام هذه الموارد أو يعاد استخدامها أو إعادة تدويرها إلى مواد أخرى صالحة للاستخدام سواء في نفس المجال الذي أخذت منه أو في مجال آخر.
وإذا ما علمنا أن مخلفات البناء والهدم عند انتهاء العمر النافع للمباني والمنشآت تمثل 10 – 30 % من كمية المخلفات التي ترمى إلى أماكن الطمر الصحي فبذلك سيتضح حجم الأثر البيئي التي تمثله هذه المخلفات وقد وجد أن 65% من هذه المخلفات هي عبارة عن مخلفات خرسانية وركام خشن (حصى). وهذا يعني توجيه الاهتمام إلى ايجاد طريقة أو طرق للحد من استنزاف المواد الأولية لصناعة الخرسانة، والتي ستكون بإحدى الطرق الثلاثة:
تقليل استخدام الخرسانة؛ إعادة استخدام نفس الخرسانة؛ وأخيراً إعادة تدوير الخرسانة وهو موضوعنا هنا.
من الملاحظ أن الموضوع يأخذ أهمية استثنائية للدول التي تعاني من الحروب والأزمات التي تنتج أطناناً من مخلفات البناء والهدم نتيجة القصف بمختلف الأسلحة وحيث أن منطقتنا العربية أخذت من الحروب حصة كبيرة كان لزاماً علينا أن نفكر بالحلول السليمة لمثل هذه المشاكل.
وجد من خلال الدراسات أنه يمكن إعادة تدوير 80-90% من مخلفات الهدم ومنها مخلفات الخرسانة. حيث أن عملية إعادة تدوير الخرسانة توفر الآتي:
- تقليل استخدام الموارد الطبيعية
- تقليل كلفة إنتاج ونقل هذه المواد الأولية
- تقليل المواد التي تحول إلى أماكن الطمر
إن عملية إعادة التدوير تكتنفها بعض المحددات الاقتصادية وبالتالي يجب الأخذ بنظر الاعتبار القيمة الاقتصادية للتدوير وأيضاً تحتاج إلى توفر التقنية اللازمة لإعادة التدوير بالإضافة إلى خواص المادة المراد إعادة تدويرها.
يمكن إعادة تدوير الخرسانة بإحدى طريقتين،
الأولى: باستخدامه كركام خشن وناعم في صناعة خرسانة جديدة، وهذا يحتاج بالضرورة إلى تكسيره بكسارات حسب حالة الخرسانة ومن ثمّ استخدامه في الخرسانة الجديدة. وتشير البحوث الحالية إلى إمكانية قبول 30% من الركام المصنوع من مخلفات الخرسانة في الخرسانة الجديدة من أجل التماشي مع مواصفات جيدة للخرسانة.
أما الطريقة الثانية: فهي استخدامه في طبقة أساس الطرق، كونه يمثل حالة أفضل من الحصى الخابط.
وعلى خلاف الطريقة الأولى فإن استخدام مخلفات الخرسانة في الطرق هو أكثر شيوعاً من استخدامه في الخرسانة الجديدة. ويوضح الجدول أدناه طرق الاستفادة من مخلفات الخرسانة بحسب حجم القطع الناتجة.
مشروع C2CA
المشروع هو عبارة عن تقنية متقدمة لإنتاج الإسمنت والركام النظيف من مخلفات الهدم، وهذا هو المختصر Clean Aggregates from Construction and Demolition Waste, in short C2CA، وهو قائم على شراكة قوية بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات الصناعية في معالجة المخلفات الصلبة وإعادة التدوير بما في ذلك كيمياء الإسمنت مع تقنيات المتحسسات من أجل السيطرة العالية على الجودة. وهذا سيضمن للمشروع تغطية مختلف المناطق والأسواق في العالم.
يقوم المشروع تحديداً على تقنية فصل المواد والسيطرة بالمتحسسات ونمذجة العمليات وتحليل الكلفة. المشروع يضم عدداً من الخبراء الرائدين من الجامعات وشركات الإسمنت بحيث تقوم الشركات الصناعية بتحويل الأفكار والنماذج إلى من حيز البحث إلى معدات وعمليات إنتاجية.
عملية إعادة التدوير
بدلاً من استخدام مخلفات الخرسانة في إملائيات الطرق سوف يصار إلى فصل مكونات الخرسانة إلى حصى رمل وإسمنت، وبالتالي سوف يتم رفع قيمة مخلفات الخرسانة ويوضح الشكل أدناه مراحل عملية إعادة التدوير مع مقارنة بالطرق القديمة.
الطريقة الحالية في المشروع فهي تعتمد على تحويل الخرسانة إلى مكوناتها الأساسية: الكالسيوم والسيليكا. حيث تمر مخلفات الخرسانة أولاً بمرحلة التكسير والتي سابقاً كان يستفاد منها في إملائيات الطرق أما في الطريقة الحالية فتدخل مرحلة ثانية من المعالجة وهي ADR: Advanced Dry Recovery والتي يتم من خلالها تحويل مكونات الخرسانة إلى المكونات الأساسية لكل من الركام والإسمنت المتمثلة بالحجر الجيري الطباشيري والسيليكا والتي بدورها تطحن من جديد لتدخل الفرن مكونة إسمنت معاد تدويره يمكن استخدامه كخرسانة بإضافة ركام من نفس مخلفات الخرسانة السابقة، وبالتالي نلاحظ أن العملية تبدأ بالخرسانة وتنتهي بخرسانة معاد تدويرها.
تتم عملية السيطرة النوعية في هذا المشروع من خلال النمذجة والفحص المختبري، لكن في هذه الطريقة المبتكرة التي تحتاج إلى أداء عالي جداً والذي من خلاله يتم إنتاج إسمنت أو ملاط mortar تبرز الحاجة إلى سيطرة ثابتة لا تعاني من الاحتمالات. خاصة وأن منتجات مخلفات الخرسانة الحبيبية تبدي درجة عالية من الانحراف عن المعدل في النوعية اذا ما قورنت بالحبيبات الطبيعية كالحصى والرمل، وهذا يحتم الحاجة إلى السيطرة النوعية المستمرة. هذا فضلاً عن أن إمكانية السيطرة النوعية المستمرة تسمح بالتوثيق الصحيح لمختلف المواد الناتجة من مخلفات الهدم، وعليه يمكن السيطرة على أحد الأهداف المهمة وهي رفع الأداء البيئي لمخلفات الهدم والجدوى الاقتصادية لها.
أساس هذه التقنية يقوم على أساس إرجاع الخرسانة إلى مكوناتها الأصلية من إسمنت وركام على اعتبار أن المخلفات هي مواد غنية بالكالسيوم والسيليكا الذين يشكلان العنصرين الأساسيين لكل من الركام والإسمنت. حيث تركز على فكرة التكسير – التصنيف لمخلفات الخرسانة الغنية بالسيليكا والكالسيوم وبكلفة واطئة. حيث إن الأجزاء الغنية بالكالسيوم تحول إلى مواد رابطة بالمعالجة الحرارية لتخلط بعدها مكونة ملاط إسمنتي. تم تطوير هذه التقنية في جامعة دلفت للتكونلوجيا وتم اختبارها في موقع ستراكتون في كورننكين.
إن هذا المشروع سيقوم بزيادة الطلب على مخلفات الخرسانة والتي ستكون عالية القيمة من خلال إعادة الخرسانة إلى موادها الأولية واستخدامها في تطبيقات عالية الأداء من حيث إن الركام المنتج سيكون صالحاً للاستخدام كركام جديد وكذا الحال للإسمنت المنتج من خلفات الخرسانة.
الفوائد البيئية
- زيادة النوعية البيئية من خلال تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من مصانع الإسمنت.
- تقليل استنزاف الموارد الأولية والخامات من خلال استخدام مخلفات الخرسانة.
- تقليل حجم النقل من خلال إعادة التدوير في الموقع.
- خلق مخرجات ذات قيمة عالية لمخلفات الخرسانة.