بالنسبة للألمان، فإنه ليس هناك فرقاً كبيراً بين النفايات والفحم البُني، حيث يمكن للنفايات وفي ظروف خاصة أن تقوم بتوليد نفس كمية الطاقة التي يمكن إنتاجها من خلال الفحم، وحتى في تركيا فإن هناك طموحات لتزويد مليون منزل تركي بالطاقة المنتجة من مطامر النفايات الصحية والتي يفترض أن تكون بديلاً من البدائل للـ “غاز الروسي”، وبلا شك فإن هناك دول عربية تحاول الاستفادة من النفايات مثل المغرب والإمارات ولكن قطر تبقى الرائدة عربياً، حيث انها لا تنتج الطاقة من النفايات فقط، بل تقوم بإنتاج السماد العضوي منها وفوق ذلك تستغل الرماد الناجم عن حرق النفايات في تعبيد الطرقات.

في ألمانيا… النفايات لا تختلف كثيراً عن الفحم “البُنّي”

في مدينة شتوتغارت الألمانية، لا تصنع سيارات المرسيدس الفاخرة فقط، بل هناك منشأة ضخمة جداً تتنج الطاقة من حوالي 500 ألف طن من النفايات كل العام، بعضها يستغل لإنتاج الكهرباء والبعض الآخر للتدفئة، كما يؤكد موقع آبيند بلات الألماني.

في منشأة شتوتغارت يتم معالجة حوالي ثلث النفايات الناتجة في جنوب غرب ألمانيا، وتحديداً في ولاية بادن فورتيمبرغ، حيث يتم تحويلها إلى طاقة كهربائية كافية لتزويد حوالي 35000 منزل بالكهرباء، هذا غير تزويد 25 ألف منزل و1300 شركة و300 مبنى حكومي بالطاقة الحرارية التي تستغل في التدفئة.

هذه المنشأة ليست الوحيدة في ألمانيا بالطبع، فهناك أكثر من 70 منشأةً لمعالجة النفايات منتشرة في جميع أنحاء البلاد وتلعب دوراً أساسياً إلى جانب مرافق إنتاج الطاقة من الريح والشمس والبيوغاز.

يؤكد أحد أفراد طاقم الهندسة في المنشأة أن النفايات لها قيمة حرارية تكاد توازي “الفحم البُني” وهو الفحم المستخرج من الأرض، ولكنه أقل جودة من الفحم الحجري، إلا أنه يبقى من المصادر المعتمدة لاستخراج الطاقة في ألمانيا.

ليست الطاقة وحدها هي التي تستخرج من النفايات، ففي منشأة معالجة النفايات في شتوتغارت تتحول 20% من النفايات إلى الخبث وهي شوائب ناجمة عن عملية الاحتراق وتشبه إلى حد كبير الحمم الناجمة عن البراكين، هذه الكميات من الخبث تستخدم كمادة بناء بديلة في تعبيد الطرقات وبالتالي تساعدنا على حفظ الموارد الطبيعية.

المدهش أكثر أن هذه التقنيات ليست جديدة بالمرة ولكنها لم تبلغ “شهرة عالمية” إلا بعد عام 1960، حيث كانت ألمانيا تعيش مرحلة الازدهار – ما بعد الحرب – وبدأ الناس يستهلكون السلع بشكل غير طبيعي مما أدى إلى مشاكل حقيقية في موضوع النفايات وهذا قبل حوالي 60 عاماً تقريباً، في حين أن الكثير من الدول العربية لا زالت لم تتوجه لهذا الحل، الذي يُعتبر أسهل من إعادة التدوير بكثير، وأفضل بكثير من الطمر غير الصحي لا للبيئة ولا للإنسان.

تركيا

هناك مشاريع كثيرة في تركيا لإنتاج الغاز من النفايات، ففي مدينة إسطنبول مثلاً يوجد المطمر الصحي “كيميربورغاز Kemerburgaz”، أكبر المطامر الصحية في تركيا حيث يمكن هناك استخراج غاز الميثان من أكوام النفايات بفضل العمليات التي تقوم بها البكتيريا في باطن الأرض، وبحسب صحيفة ديلي صباح، فإن باستطاعة المطمر إنتاج 58 ميجاواط من الكهرباء وبالتالي تزويد أكثر من 266 ألف منزل تركي بالكهرباء.

بحسب نفس التقرير، فإن هذا النظام يمكن أن يزود أكثر من مليون بيت تركي بالكهرباء من خلال إنتاج 2 بليون كيلوواط ساعي كل عام، ومن الجدير بالذكر أن معالجة النفايات بهذه الطريقة تساهم في تقليل ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث إن غاز الميثان الذي يصدر عن طمر النفايات بشكل غير صحي يمكن أن يكون له أضرارًا وخيمة على البيئة، وهو أشد بـ 25 ضعفًا من ضرر ثاني أكسيد الكربون.

ويشير تقرير ديلي صباح أن الغاز المستخرج من “أكوام النفايات” يمكن أن يكون بديلاً للغاز الروسي من خلال مساهمته في 5% من إنتاج الكهرباء في تركيا.

في العالم العربي… قطر رائدة عربياً!

مع أن الاستفادة من النفايات في عالمنا العربي لا زالت لم تتقدم كثيراً مقارنة بأوروبا وأمريكا حيث يوجد أكثر من 400 منشأة لإنتاج الطاقة من النفايات، ولكن عموماً فإن هناك جهود مميزة في هذا المجال لا بد من الإشارة إليها، كحال المشاريع التي يجري العمل عليها في الأردن، أبو ظبي والمغرب وكذلك قطر.

يعتبر موقع أم عزّة أكبر منشأة لفرز ودفن النفايات في المغرب العربي، حيث يستقبل 850 ألف طن من القمامة سنوياً، كما أنه يتسبب بالكثير من المشاكل البيئية لأهالي منطقة “أم عزة”، ومؤخراً قام البنك الدولي بتمويل مشروع لإعادة تأهيل المكب والاستثمار في النفايات لتحويلها إلى “ثروة”، حيث يتم هناك حاليًا استخراج 2200 طن من النفايات الصلبة سنويًا لإعادة بيعها.

كما أنه يتم استخراج 100 ألف طن من النفايات العضوية من المكب إلى سماد، وبالتالي تخفيف شيء من العبء البيئي الذي يتسبب به المكب متمثلاً بالروائح، بالأخص أن نسبة كبيرة من النفايات في المغرب هي نفايات عضوية وتصل إلى 60% من النفايات مقارنة بـ 30% في أوروبا، وكذلك يتم استخراج الغاز الحيوي ثم نقله إلى مصنع أسمنت قريب كي تساهم النفايات في صناعة الإسمنت.

وفي دبي، تقوم الشركة الوطنية للطاقة والمعروفة باسم “طاقة” بالعمل حالياً على مشروع لإنتاج الطاقة من مكبات النفايات، والذي يفترض أن تبلغ قدرته 100 ميجاواط وسيكون قادراً على تزويد 20 ألف منزل في أبو ظبي بطاقة الكهرباء، وبحسب الشركة فإن نظام العمل المتبع في المكب المخطط له سيكون أنجع وأفضل من إنتاج النفايات من الطاقة الشمسية والريح.

في قطر، هناك منشأة لمعالجة حوالي 3200 طن من النفايات يوميًا، وتعتبر نموذجاً مميزاً على مستوى الشرق الأوسط وقد تم العمل عليه من قبل شركة كيبل سيغيرز السنغافورية “keppelseghers” لمدة تصل إلى 5 أعوام.

من خلال هذه المنشأة تهدف قطر إلى تحقيق رؤيتها بمستقبل مستدام يضمن التخلص من النفايات بطريقة صديقة للبيئة، وحالياً فقد وصلت قطر إلى تدوير 23% من نفايتها كنفايات الورق والبلاستيك والمعادن بعد أن كانت 8% فقط، كما تم تقليص الكميات التي كانت تستقر في المكبات إلى 64% بعد أن كانت تشكل 92% ولكن هناك فرق شاسع، فبينما في الماضي كانت النفايات تستقر في المكبات دون معالجة أما اليوم فهي لا تستقر إلا في مكبات المنشاة فقط وبعد معالجة حرارية وبالتالي يتم تحويلها إلى “رماد” وبالتالي يمكن استغلالها كمادة بديلة وصديقة للبيئة تستغل في تعبيد الطرقات.