على الرغم من التطور المتسارع في التجارة الالكترونية تشير تقارير متعددة إلى بقاء فرص نمو مرتفعة في قطاعات متاجر التجزئة والمولات ومراكز التسوق، التي تحولت جزءا لا يتجزأ من بناء المدن الحديثة، ومعالمها الحضارية أو السياحية، ذلك أن المتسوقين يميلون إلى التواصل المُباشر ويرغبون في مُعايشة تجارب واقعية تنسجم مع رغبتهم في الاستكشاف والتعرف على العالم من حولهم، وهو ما يظهر بوضوح عندما يتعلق الأمر بعمليات التسوق.

ويبرز تقرير لـ “إيكونيميست” أنه رغم الانتشار المستمر للتجارة الإلكترونية عالمياً، مازال لتجربة التسوق المباشر بهجتها ورونقها الخاص والمميز، حيث يشير التقرير إلى أن نحو ثلثي مستخدمي خدمات التسوق الإلكتروني أعربوا عن عدم رغبتهم في الاستغناء نهائياً عن تجارب التسوق التقليدي، مؤكداً ارتباط هذا النوع من عمليات التسوق بتلبية جانب مهم من الاحتياجات الإنسانية وهو التواصل المباشر، إضافة إلى رغبة البعض في معاينة المنتجات قبل شرائها؛ لا سيما الملابس أو الأجهزة الكهربائية والإلكترونية أو حتى بعض المأكولات.

وأظهرت دراسة نشرها موقع “بيزنيس إنسايدر” ارتفاع نسبة السلع التي تُعاد إلى البائع في التجارة الإلكترونية، مما أثر سلباً على رضا المتسوقين الذين أصبحوا يفضلون التسوق التقليدي في مراكز التجزئة، ولعل ما أعلنته هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية في هذا الشأن يؤكد أن تفضيل المتسوقين في المملكة للشراء عبر القنوات التقليدية لا يزال مرتفعاً، في حين لم يتعدَّ متوسط عدد مرات تسوق الفرد في المملكة عبر الإنترنت أربع مرات وبقيمة 4 آلاف ريال.

وأكد خبراء اقتصاديون أن التسوق الالكتروني أصبح من أهم وسائل التسوق في الفترة الحالية في خضم زمن التحولات الرقمية التي نشهدها، لكنه لن يعوق استمرارية الأسواق التجارية والمولات المركزية، بل يتوقع الخبراء أن تحتفظ المراكز التجارية الكبرى بمكانتها المهمة بفضل الثقة في التعاملات التجارية مع المستهلكين؛ بدءا من حقوق الاسترجاع ومعاينة البضاعة، ووجود مظلة تشريعية تحمي المستهلك ممثلة في وزارة التجارة، وكذلك وصول البضاعة في زمن قياسي، إضافة إلى تجربة “التسوق والنزهة العائلية” .

وأكد الكاتب والمحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن المراكز التجارية والمولات أصبحت تعد من أهم معالم المدن عالمياً، وتشكل مرحلة تطور ثقافي في التسوق خاصة في قطاع التجزئة، إذ إن الأسواق باتت لا توفر حاجة العائلات للتسوق فحسب، بل أصبحت مكاناً للترفيه العائلي للأسرة السعودية والعربية بشكل عام.

وأضاف البوعينين أن مراكز التسوق السعودية شهدت في الآونة الأخيرة انضمام صالات السينما التي بدورها أطلقت مرحلة تطويرية كبيرة ومهمة للأسواق المركزية والمولات التجارية، موضحا الحجم الكبير للاستثمارات بالمدن الكبرى كالعاصمة الرياض ومدن جدة ومكة المكرمة والدمام تتركز في الأسواق التجارية الكبرى والمولات، وتقوم بتنفيذها شركات متخصصة في هذا المجال، وعملت على تطوير الأسواق التجارية بشكل يرضي المستهلكين من الجنسين وتقدم خدماتها لجميع الفئات العمرية.

ويعتقد بعض المتسوقين أن متاجر الإنترنت تنافس المتاجر التقليدية في الأسعار، لكن مراكز التسوق قد واجهت هذه المنافسة بتقديم عروض مباشرة، تجعل مراحل المنافسة تأخذ تطوراً وتتخذ أشكالا تشير إلى تنامي دور المراكز التجارية، وقدرتها على مواصلة منح الأسعار التنافسية في مقابلة منصات التجارة الإلكترونية التي عرفت بانها أقل تكلفة.

وعلى المستوى العالمي، تنتاب أصحاب المحال التجارية مخاوف متزايدة، وخصوصاً الواقعة في الشوارع التجارية الرئيسة لتحد لم تعتد عليه الشوارع التجارية، ألا وهو التسوق عبر الإنترنت، لكن تطور أساليب المنافسة سيجعل من مراكز التسوق والمولات مكاناً لتقديم خدمات متكاملة تشمل الترفيه، وخدمات المطاعم، وتجارب التسوق الفريدة من نوعها وعرض المنتجات الحصرية، بجانب حملات ومهرجانات التسوق التقليدية التي تشمل خصومات بالأسعار.

المصدر: الأسواق العربية