من الأشياء التي أبدع البشر فيها على مر السنين هي ابتكار طرق جديدة من أجل التخلص من النفايات بأسرع وقت ممكن، حيث يُمكن القول أن تلك المشكلة مشكلة أبدية أزلية، خاصةً وأنه كلما تقدم الزمن كلما زادت النفايات أكثر وزادت معها الحاجة إلى التخلص منها، فالحقيقة أن تلك المشكلة لا تتعلق بالبشر فقط، وإنما البيئة كذلك تهتم بالتخلص من تلك النفايات التي تتواجد بها لأنها ستُحدد بشكل كبير وجودها، وطبعًا كلنا نعرف أن أراضي زراعية كثيرة لم تعد صالحة للزراعة فقط لأن النفايات قد دخلت بها وقتلت بعض المواد الموجودة بداخلها، عمومًا، لم يُقصر أغلب البشر مؤخرًا في القضاء على تلك المُخلفات بكل الصور الممكنة، بل أنهم باتوا في الآونة الأخيرة يبتكرون طرقًا أكثر نقاءً وأكثر سرعة، لكن ماذا عن الطرق السابقة وتطورها مع تطور الزمن؟ هذا بالفعل ما سنحاول التعرف عليه في السطور القليلة المُقبلة.

لماذا نتخلص من النفايات؟

ثمة سؤال هام يجب الإجابة عليه أولًا قبل التطرق إلى الطرق القديمة في التخلص من النفايات، ذلك السؤال يتعلق بالسبب الذي يدفعنا أصلًا للتخلص من نفايتنا، والحقيقة أنه ليس سبب واحد فقط وإنما عدة أسباب مجتمعة، جميعها بالتأكيد يوضح أن التخلص من ذلك الكابوس لم يكن أمراً اعتباطياً وإنما جاء بعد دراسة للأضرار المُحتملة لمكوث النفايات على أرضنا، وأهم هذه الأسباب بالطبع تهديد الحياة على سطح الأرض.

تهديد الحياة على سطح الأرض

من أهم الأشياء التي ستُلاحظها وتُلاحظ جيداً أنها ستضر بالحياة بشكل عام هي النفايات، فهي تضرب الماء والهواء والتربة على حدٍ سواء، وطبعاً كل هذه الأشياء تُعتبر من العناصر الهامة التي يحتاجها الإنسان، أي أنها تضر بالإنسان كذلك، والواقع أن البشر قد أدركوا منذ زمنٍ بعيد أن النفايات قادرة على إحداث كل هذا الضرر وأكثر، فقد تساقط الكثيرون منهم نتيجة لتلك النفايات وانتشارها، وكلنا يُلاحظ أن نسبة الوفيات تزداد في الدول التي لا تستطيع التخلص من النفايات، أما بالنسبة للماء والهواء والتربة فهذه العناصر تتلوث بصورة مباشرة أو غير مباشرة، المهم في النهاية أنها تتلوث.

تأخذ مساحة كبيرة

بعيداً عن التخلص من النفايات فإن وجودها بحد ذاته مشكلة كبيرة، فتواجد النفايات يعني أننا سوف نترك المكان الذي تتواجد به فارغاً، ليس هذا فقط، بل ربما نترك المُحيط الذي تتواجد فيه فارغاً بأكمله، وهذه ليست مبالغة بالمرة، لأنه لا أحد يرغب في التواجد بجانب النفايات والتأذي بما ينتج عنها، ناهيكم عن أن المساحة التي ستتواجد بها غالباً ما ستتلوث ولن تكون صالحة للاستخدام مرة أخرى سواء للزراعة أو أي غرض من الأغراض المفيدة.

منفس للأمراض والفيروسات

أثبتت الدراسات على مر التاريخ أن أغلب الأمراض النادرة والفيروسات القاتلة كانت في الأصل نتاج للنفايات المتواجدة على الأرض والتباطؤ في التخلص منها بأسرع ما يُمكن، فقد أطلقت تلك النفايات بعض المواد التي تفاعلت مع الهواء مُسببةً الأمراض والفيروسات، وإذا كنا حقاً سنعاتب النفايات على أكبر ضرر سببته للعالم وجعلته مُتحمساً للقضاء عليها فهو بلا شك انتشار الفيروسات والأمراض التي حصدت ملايين الرؤوس على مر تاريخ ذلك الكوكب المسكين.

تطور طرق التخلص من النفايات

كما ذكرنا، كان الشغل الشاغل للبشر منذ آلاف السنين هو التخلص من النفايات، وربما يظن البعض أن التفكير في إزاحة النفايات من الأرض لم يظهر سوى قريباً إلا أن ذلك الأمر ليس صحيحاً بالمرة، فما دام الإنسان موجوداً فإن النفايات ستكون موجودة، لأنه لا يُمكن استهلاك البيئة دون أن تكون هناك نفايات ناتجة عن ذلك الاستخدام، والآن دعونا نبدأ من الطريقة الأولى التي استخدمها الإنسان في التخلص من نفاياته، وهي طريقة العزل.

التخلص عن طريق العزل

ربما سيدهشكم ذلك، لكن أول طريقة استخدمها الإنسان من أجل التخلص من نفاياته لم تكن الدفن كما قد يتوقع البعض، بل أنها كانت العزل، والعزل ببساطة يعني تحديد مكان ما بعيد ووضع كل النفايات به وتركها للظروف المُحيطة بذلك المكان، سواء كانت الرياح ستُطيرها أو العواصف والبرق سيحرقانها، في النهاية ستُترك في هذا المكان حتى تتحلل وتبوح بكل ما لديها، والواقع أن ما سعد البشر على استخدام هذه الطرق هو أنهم كانوا يعيشون على ما يقل عن واحد بالمئة من المساحة الصالحة للعيش، بمعنى أدق، كانت الأرض فارغة، وكان من الطبيعي جداً أن تُخصص مساحات بعيدة لترك القمامة بها دون أن تكون هناك احتمالية للتأثر بها من قِبل المناطق السكنية، حيث كانت تلك المسافة تزيد عن ألف كيلو متر، فكان الرجل يقطع تلك المسافة على دابته كل أسبوع مثلًا ثم يُلقي القمامة ويعود إلى موطنه الأصلي مرة أخرى.

التخلص عن طريق الدفن

الطريقة الثانية، والتي ظهرت بعد طريقة العزل مباشرةً هي طريقة الدفن، والحقيقة أن البعض يعتقد بأن تلك الطريقة هي أول طُرق التخلص من النفايات ظهوراً، وذلك استناداً إلى أن أول كائن بشري تم قتله تخلص قاتله من جثته عن طريق الدفن، وهذا صحيح، لكن هنا يجب التنويه على أن الكائنات الحية بعد موتها لا تُعد من المُخلفات الضارة، ونحن هنا نتحدث عن المخلفات الضارة التي تُحدث تلفًا كبيراً بالبيئة بعد انتشارها، فتلك المخلفات لم تكن النية في البداية بدفنها، لكن لما ظهر أن طريقة العزل قد لا تُؤدي إلى النتيجة المطلوبة تم اللجوء إلى هذه الطريقة باعتقاد أن إخفاء المخلفات من على وجه الأرض تماماً بالتأكيد أفضل من عزلها، لكن مرة أخرى ظهرت المشكلة الكبرى في أن المخلفات المدفونة غالباً ما تُفسد تربتها التي تتواجد بها، وهنا كان لابد من التفكير في طريقة أخرى أقل ضرراً على البيئة والإنسان.

التخلص عن طريق الحرق

الطريقة المثالية التي ظهرت بعد طريقة الدفن مباشرة هي طريقة التخلص من النفايات من خلال الحرق، حيث أن البشر قد أيقنوا أن الدفن والعزل كلاهما يحملان الكثير من الأضرار للبيئة، وأن الحل الأمثل للتخلص من وجع الرأس هذا أن يتم محو النفايات تماماً من على وجه الأرض وباطنها كذلك، وهنا كان التفكير مباشرةً في الحرق، والذي كان بالمناسبة متزامناً مع توصل الإنسان إلى النار وإشعالها، فكل ما كان يُتطلب للقيام بهذه الطريقة هو جمع النفايات في مكانٍ واحد وإشعال النار بها ورؤيتها وهي تتطاير في السماء على شكل غازات وتختفي تماماً من الأرض، لكن كالعادة كانت هناك مُشكلة مُتمثلة في الغازات التي تخرج خلال عملية الحرق وتُسبب الكثير من الأضرار للبيئة، مما يعني أنه كان من الواجب التفكير مجددًا في طريقة أخرى يُمكن من خلالها تقليل الأضرار أكثر.

التخلص عن طريق الترميد

بالرغم من التخلص من النفايات عن طريق الترميد يتشابه كثيراً مع التخلص منها عن طريق الحرق إلا أن الأمرين مُختلفين تماماً، بل ولكل طريقة من الطريقتين كيفية خاصة للتنفيذ، فطريقة الحرق التي كانت تحدث قديماً كانت تتم بطريقة عشوائية بحتة، حيث أن الناس أو حتى المسئولين كانوا يجمعون النفايات في مكانٍ عام ثم يقومون بحرقها، ويرون الغازات السامة وهي تتبخر أمامهم، لكن هذا الأمر قد اختلف تماماً مع طريقة الترميد التي ظهرت قبل حوالي قرنين، فتلك الطريقة الحديثة نوعاً ما كانت تقوم على جلب النفايات في مصانع مزودة بمحارق مُخصصة، ثم بعد ذلك يبدأ العمل.

داخل تلك المحارق كانت توضع النفايات ويتم ترميدها، وهذا هو الجزء الطبيعي، أما الجزء الحديث الدخيل هو السيطرة على تلك الغازات المُنبثقة عن عملية الحرق واستخدامها في توليد الكهرباء، ومن هنا يُمكننا القول إن هذه المرة كانت الأولى التي يتم فيها استخدام طريقة تخلص من نفايات مع الحصول على بعض الفوائد من هذه الطريقة، هذا بالإضافة إلى الشيء الأهم والأكثر طلباً، وهو المحافظة على البيئة من التلوث.

التخلص عن طريق التدوير

أحدث الطرق التي ظهرت في الآونة الأخيرة هي طريقة التخلص من النفايات من خلال عمليات التدوير التي تستهدف إعادة استخدام النفايات مرة أخرى بصورة مغايرة عن الاستخدام السابق، بمعنى أن النفايات لن تنعزل أو تُدفن أو تُحرق، بل سترجع مرة أخرى إلى المُستهلك لكن في صورة تُحقق له أقصى استفادة قد يتمناها في يومٍ من الأيام، ولنضرب مثلًا بسيطاً على ذلك بالبلاستيك مثلًا، فبالرغم من أن تلك المادة قد تتعرض للتلف إلا أنه يكفي فقط حرقها وإذابتها لإعادة تشكيلها واستخدامها مرة أخرى، فإن كان الشكل الأول هو الكرسي مثلًا فإن الشكل الثاني سوف يكون طاولة أو أي شيء بلاستيكي آخر له نفس الفائدة والأهمية.

استخدام الفقراء في التخلص من النفايات

في الحقيقة ثمة طريقة جانبية يستخدمها البشر في التخلص من نفياتهم، وبتحديدٍ أكثر فإن تلك الطريقة لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة مع انتشار الفقر وتغلغله تغلغلاً تاماً في المجتمع، حيث أصبح من الممكن جداً التخلص من النفايات الخاصة بالأغنياء من خلال الفقراء الذين يعيشون في هذه البلد أو المنطقة، ولكي نكون دقيقين أكثر فإن النفايات لن تنفذ بأكملها، وإنما جزء كبير منها على الأقل.

مثلًا، فيما يتعلق بالأطعمة، فإنه ثمة إحصائية تقول أنه خلال الربع قرن الأخير تناول الفقراء أكثر من خمسمائة طن من الأطعمة التي تحولت في الأصل إلى نفايات ودخلت خطة التخلص منها، وبعيداً عن الأطعمة فالنفايات المُتعلقة بالأنواع الأخرى أيضاً يتم التخلص منها بنفس الطريقة، فالملابس القديمة والأجهزة المُستعملة البالية وكل شيء آخر ما زالت الروح تدب فيه يُمكن أن يدخل ضمن نطاق النفايات المُستهلكة من الفقراء، ورغم أننا بالطبع لا نشجع هذه الفكرة إلا أنها تُعد من أبرز طرق التخلص من النفايات التي يُمكن تصنيفها قديمة وحديثة بنفس الوقت.

هل تعود النفايات؟

هناك من يقول إن أي طريقة من الطرق التي استُخدمت في التخلص من النفايات لن تؤتي ثمارها في يومٍ من الأيام، فالنفايات لن تختفي تماماً من الأرض مهما فعلنا، هي فقط تذهب وتأتي بطريقةٍ أخرى، سواء كانت غازات أو مصادر طاقة كالفحم والبترول، المهم أنها لن تُنهي دورها بهذه السهولة، والحقيقة أننا إذا أعملنا عقلنا قليلًا فسنجد أنه من الغريب بعض الشيء أن يختفي جزء من الكوكب هكذا دون أثر، أجل، فالنفايات جزء أصيل من الكوكب، فكيف نتخلص منه إذًا؟

 

المصدر: تسعة