إن تلوث الهواء بالغازات يأتي معظمه من احتراق الوقود. وقد بدأ هذا التلوث بقدم إحراق الإنسان للخشب والفحم.

وبدأت الحكومات مبكراً بوضع حداً لمثل هذا التلوث حيث أمر البرلمان البريطاني في وقت مبكر عام 1273م منع إحراق الفحم في لندن. وعلى الرغم من أن كيمياء الغازات غير معروفة في ذلك الوقت إلا أن البرلمان البريطاني أراد أن يقلل الدخان.

الدخان هو الناتج المرئي من الاحتراق غير الكامل ويرافقه غازات كيميائية. وهو عبارة عن أجزاء صغيرة الحجم متوسط قطرها 0.075 ميكرون ويتكون من تركيبات كيميائية مختلفة تحتوي بصورة أساسية على الكربون والهيدروكربونات وجزيئات المعادن المختلفة.

أهم الملوثات الكيميائية للبيئة

(1) أكاسيد الكربون

(2) أكاسيد الكبريت

(3) كبريتيد الهيدروجين

(4) فلوريد الهيدروجين

(5) أكاسيد النيتروجين

(6) الهيدروكربونات

(7) المعادن الثقيلة

(8) الجسيمات

(9) المبيدات الحشرية

أولاً: أكاسيد الكربون:

تشمل أكاسيد الكربون كل من أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وهي غازات عديمة اللون والرائحة. والمصدر الرئيسي لأكاسيد الكربون هو احتراق الوقود سوءاً من مداخن المصانع أو محطات توليد الكهرباء أو محركات السيارات أو الطائرات التي بدأ يزداد عددها سنة بعد الأخرى أو وسائل النقل المختلفة أو من الاحتراق لغرض التدفئة وكذلك من الحرائق ومن احتراق القمامة وغيرها.

 ويعد غاز ثاني أكسيد الكربون غير سام إلا أن تواجده بتراكيز عالية جداً يؤثر على تركيز الأكسجين مما يسبب الاختناق. ويعتقد بعض العلماء أنه نظراً لزيادة استهلاك الوقود فإن كمية ثاني أكسيد الكربون قد تزداد في الغلاف الجوي مما يسبب في المستقبل تغيرات في الظروف الجوية وارتفاعاً في درجة الحرارة وذلك لقدرة ثاني أكسيد الكربون على امتصاص الأشعة تحت الحمراء القادمة من الشمس. إلا أن فريقاً آخر من العلماء يعتقد أن التمثيل الضوئي للنباتات وذوبان ثاني أكسيد الكربون في ماء المطر كفيلان بأن يبقيا نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء دون تغير يذكر.

يتصاعد ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود إذا كان الهواء متوفراً بشكل جيد، إلا أن تركيز الهواء قد يتناقص مما يؤدي إلى احتراق غير كامل وبذلك يتكون أول أكسيد الكربون السام ويزداد الاحتراق غير التام من المواد الكيميائية الصادرة من عوادم السيارات وذلك لارتفاع نسبة الوقود لنسبة الهواء في المحرك حيث أن النسبة الصحيحة هي جزء وقود إلى 15 جزء من الهواء في السرعات المتوسطة داخل المدن وتختلف هذه النسبة باختلاف السرعة.

ويتمتع أول أكسيد الكربون بقدرته على الاتحاد مع الهيموجلوبين وتكوين مركب كاربوكسي هيموجلوبين الذي يحد من قدرة الدم على الاتحاد مع الأكسجين مما يؤدي إلى عدم وصول الأكسجين اللازم إلى خلايا الجسم.

ووجد أن حالات التسمم بأول أكسيد الكربون تحتوي على %50 إلى 80% من الهيموجلوبين متحد بأول أكسيد الكربون على شكل كاربوكسي هيموجلوبين وع ذلك فإن انتزاع أول أكسيد الكربون من الهيموجلوبين عملية سريعة أيضاً. فمثلاُ نجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة يفقدون نصف أول أكسيد الكربون المتحد مع الهيموجلوبين في خلال ثلاث أو أربع ساعات من تعرضهم لهذا الغاز.

ويعتبر أول أكسيد الكربون من المواد الخطرة على عكس الملوثات الكيميائية الأخرى إذا تم التعرض له بكميات مركزة في وقت قصير. ويزاد تركيز أول أكسيد الكربون في المدن المزدحمة بالسيارات وقد يصل إلى نسبة قدرها 100 جزء في المليون خاصة في الأنفاق وفي بعض الحالات في الشوارع المزدحمة بالسيارات علماً بأن هذه النسبة قد تسبب عند بعض الناس خاصة المصابين بفقر الدم بعض الأعراض مثل وجع الرأس والدوخة وحاجة إلى النوم. لذلك في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يعتبر التعرض لأول أكسيد الكربون الموجود بنسبة 120 جزء من المليون لمدة ساعة أو 30 جزء من المليون لمدة ثمان ساعات يعتبر نسبة خطرة جداً.

وعلى الرغم من أن الدراسات تبين أن نسبة أول أكسيد الكربون في الهواء تتضاعف نظرياً كل خمس سنوات إلا أنه من ناحية أخرى يجب أن نعرف أن كميته تتناقص عن طريق أكسدته إلى ثاني أكسيد الكربون حيث تتم الأكسدة في الجو ببطء في وجود أشعة الشمس بمعدل 1% من أول أكسيد الكربون في الساعة وهو غاز قابل للاشتعال في وجود الأكسجين ويعطي ثاني أكسيد الكربون.

ثانياً: أكاسيد الكبريت:

تشمل أكاسيد الكبريت كل من ثاني أكسيد الكبريت وثالث أكسيد الكبريت.

ويتصاعد غاز ثاني أكسيد الكبريت من حرق الكبريت أو الكبريتيد أو مركبات الكبريت بشكل عام كما أن النسبة العظمى تأتي من احتراق الوقود (سواء الفحم أو البترول) المحتوي على مركبات الكبريت حيث يوجد الكبريت في الفحم والبترول بنسب متفاوتة.

ويحتوي الفحم على 0.4 إلى 0.5 % كبريت على شكل مركبات كبريتية مثل بايرات الحديد FeS2 ومركبات غير عضوية. وقد وجد أن احتراق الفحم يعطي 6 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت في السنة في بريطانيا لوحدها، لذلك فأن عملية انتزاع مركبات الكبريت من الفحم لها دور فعال لاختزال مشكلة التلوث بأكاسيد الكبريت.

ويحتوي وقود البترول على نسبة مقاربة لنسبة الكبريت في الفحم ويوجد الكبريت في البترول على شكل كبريتيد الهيدروجين أو مركبات عضوية. هذا ويتكون ثاني أكسيد الكبريت مع قليل من ثالث أكسيد الكبريت عن طريق مصادر طبيعية مثل البراكين. ويتميز غاز ثاني أكسيد الكبريت برائحة نفاذة وغير سارة وهو أعلى كثافة من الهواء الجوي ولا يحترق ولا يساعد على الاحتراق.

 غاز ثالث أكسيد الكبريت SO3

ثالث أكسيد الكبريت هو سائل درجة غليانه 45 مo لذلك فهو سهل التطاير كما أنه شديد الميل للماء ويكون حمض الكبريتيك لذلك فهو يعتبر حمض كبريتيك فقد ماءه ويسمى حمض الكبريتيك اللامائي.

ويتكون ثالث أكسيد الكبريت لنفس أسباب تكون ثاني أكسيد الكبريت ولكن بنسبة أقل بكثير وبشكل عام توجد المادتين مع بعض في معظم الحالات. كما أنه يتكون ببطء من تأكسد ثاني أكسيد الكبريت في وجود أشعة الشمس.

 غاز ثاني أكسيد الكبريت SO2

يتميز غاز ثاني أكسيد الكبريت برائحة نفاذة وغير سارة وهو أعلى كثافة من الهواء الجوي ولا يحترق ولا يساعد على الاحتراق ويذوب ثاني أكسيد الكبريت في الماء ليكون حمض الكبريتوز غير الثابت حيث يتأكسد بسهولة إلى حمض الكبريتيك بعوامل مؤكسدة مختلفة. وإن تلوث الهواء بأكاسيد الكبريت يؤدي إلى تكون وتساقط حمض الكبريتوز وحمض الكبريتيك عن طريق الرطوبة الموجودة بالهواء الجوي أو عن طريق المطر مما يشكل الأمطار الحمضية ويزيد من مشكلة التلوث.

ويؤثر ثاني أكسيد الكبريت على الأغشية المخاطية ويسبب التهاباً في الجهاز التنفسي كما يسبب الكحة وضيق التنفس وعدم الراحة. وعندما تزداد كميته في الهواء فأنه يؤدي إلى تشنج الحبال الصوتية وإلى الاختناق. ويشار إلى أنه عندما يصل تركيز ثاني أكسيد الكبريت في الهواء إلى نسبة قدرها واحد إلى خمسة جزء في المليون فإنه يسبب عدم الراحة وصعوبة في التنفس. أما التعرض لمدة ساعة وبتركيز يصل إلى عشرة جزء في المليون فأنه يؤدي إلى الآم حادة وأعراض خطرة.

وفي ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يعتبر وجود ثاني أكسيد الكبريت بتركيز خمسة جزء في المليون تلوث خطر. وبالرغم من أن ثاني أكسيد الكبريت يدخل عن طريق الجهاز التنفسي ويخرج من البول على شكل كبريتات إلا أن أعراضه لها صفة الاستمرارية على عكس أول أكسيد الكربون الذي يمكن إنقاذ صاحبه إذا تم التخلص منه بسرعة.

ويؤثر ثاني أكسيد الكبريت على النباتات إذ يحدث أضراراً في أوراقها ويعتمد هذا الضرر على تركيزه فعند زيادة يؤدي إلى جفاف الخلايا وموتها. وقد وجد أن بعض النباتات تتأثر بشكل واضح عند تراكيز منخفضة تصل 0.02 جزء في المليون. بالإضافة إلى ضرر ثاني أكسيد الكبريت المباشر فإن ضرره غير المباشر يأتي من تحوله إلى أحماض الكبريت مما يؤدي إلى أضرار بالغة لهذه الأحماض إلى الجهاز التنفسي عن طريق بخار الماء وتسبب التهابات وأضراراَ أكثر مما يسببه ثاني أكسيد الكبريت. كما أن هذه الأحماض تؤثر على الكائنات الحية الأخرى النباتية والحيوانية، وكذلك تؤثر على المعادن ومواد البناء حيث تساعد على تآكلها حتى ولو كانت هذه الأحماض بتراكيز منخفضة.

أما بالنسبة لثالث أكسيد الكبريت، فأنه على عكس ثاني أكسيد الكبريت يتحول بسرعة إلى حمض الكبريتيك، لذلك فإن ضرره ينبع من تكون حمض الكبريتيك.

ثالثاً: كبريتيد الهيدروجين Hydrogen Sulfide – H2S-

يوجد كبريتيد الهيدروجين على شكل غاز وله رائحة البيض الفاسد وهو غاز عديم اللون وأثقل من الهواء. يحترق كبريتيد الهيدروجين ويكون ثاني أكسيد الكبريت والماء إذا كانت كمية الأكسجين كافية، أما إذا كانت غير كافية فأنه يحترق احتراقاً غير كامل إلى كبريت وماء.

ولغاز كبريتيد الهيدروجين سمية عالية حيث يؤثر في الجهاز العصبي المركزي ويؤدي إلى التهاب في الأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي والعينين كما يؤثر على حاسة الشم. وعندما يوجد بتراكيز منخفض جداً تصل إلى 0.1 جزء في المليون يمكن الإحساس برائحته ولكن مع زيادة التركيز إلى 100 جزء في المليون لعدة دقائق فإنه يتلف الإحساس بالشم. وإن استمرار تنفس مثل هذه التراكيز العالية يسبب أضراراً بالغة للجهاز التنفسي.

يوجد كبريتيد الهيدروجين في كثير من المياه المعدنية (المياه الكبريتية) كما يتصاعد من فوهات البراكين حيث يحترق كثير منه احتراقاً غير كامل إلى كبريت وماء. وهو ينتج من تخمر المواد العضوية التي تحتوي على الكبريت مثل المخلفات البشرية، لذلك يتصاعد من مياه المستنقعات والمجاري. إلا أن المصدر الرئيسي لتلوث البيئة يأتي من إنتاج غاز الفحم ومن تكرير البترول ومن بعض الصناعات البتروكيميائية لاعتباره أحد مكونات البترول والغاز الطبيعي.

 يتأكسد كبريتيد الهيدروجين في الهواء إلى حمض الكبريتيك. كما ان تركيز غاز كبريتيد الهيدروجين في الهواء على مستوى العالم لا يزداد مع الزمن على الرغم من انبعاث حوالي 300 مليون طن كل سنة وبالتالي فإن تأثيره على الصحة يأتي من التركيز المفاجئ في مناطق محدودة.

أبرز حوادث غاز كبريتيد الهيدروجين

حدث في المكسيك عام 1950م تلوث بسبب تسرب تراكيز عالية من كبريتيد الهيدروجين في الهواء لمدة ساعة مما أدي إلى قتل 22 شخصاً، كما وصل للمستشفيات 320 حالة، وهؤلاء الذين تأثروا بالغاز فقدوا خاصية الشم.

ونستنتج مما سبق أنه على الرغم من أننا نستطيع أن نشم رائحة كبريتيد الهيدروجين عند تراكيز منخفضة جداً إلا أننا لا نستطيع تحديد تركيزه فيما لو كان أعلى من المسموح به، لذلك لابد من توافر أجهزة في المصانع وفي المدن للكشف عن تركيزه وبالتالي اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

رابعاً: فلوريد الهيدروجين Hydrogen Fluoride – HF-

يتصاعد فلوريد الهيدروجين من اختزال أسمدة الفوسفات ومن تصنيع خامات الحديد وصناعة السيراميك وغيرها. وهو غاز سام ومسبب للتآكل بدرجة كبيرة لدرجة أنه يمكن أن يدمر الزجاج الذي يقاوم كثيراً من المركبات الكيميائية كما أنه يذوب في ماء المطر مكوناً حمض الهيدروفلوريك.

وعلى الرغم من أن القياسات تشير إلى أن تركيز فلوريد الهيدروجين في الهواء الملوث غير مرتفع، إلا أن أيون الفلوريد يأخذ الصفة التراكمية في النبات مما يؤثر عليها وعلى الكائنات الحية التي تتناولها بما فيها الإنسان الذي يتناول هذه النباتات المحتوية على تراكيز عالية من أيون الفلوريد.

خامساً: أكاسيد النيتروجين Nitrogen Oxides

تتألف أكاسيد النيتروجين الملوثة للبيئة بصورة أساسية من أكسيد النيتريك وثاني أكسيد النيتروجين. وهو غاز عديم اللون ولا يساعد على الاشتعال العادي أما المواد التي تشتعل بشدة مثل الماغنسيوم والكبريت فيمكن أن تستمر في اشتعالها إذا وضعت في الغاز.

ويتحد أكسيد النيتريك بالأكسجين عند درجات الحرارة العادية مكوناً ثاني أكسيد النيتروجين فهو غاز بني اللون ويميل إلى اللون الأحمر ويذوب في الماء مكوناً حمض النيتروز وحمض النيتريك، إلا أن حمض النيتروز غير ثابت ويتحلل إلى أكسيد النيتريك.

تتكون أكاسيد النيتروجين هذه من تفاعل النيتروجين الجوي مع الأكسجين الجوي عند درجات الحرارة العالية جداً أثناء عمليات احتراق الوقود. وتنتج النسبة العظمى من هذه الأكاسيد من عوادم السيارات حيث يتولد أكسيد النيتريك من تفاعل الأكسجين مع النيتروجين في داخل المحرك، ثم ينتج ثاني أكسيد النيتروجين ورابع أكسيد النيتروجين أثناء التبريد السريع لغازات العادم اللاحق للعملية السابقة.

كما تنتج أكاسيد النيتروجين أثناء احتراق الوقود في المصانع ومحطات الكهرباء بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الأكاسيد تنتج كمخلفات من بعض الصناعات الكيميائية. ولأكاسيد النيتروجين رائحة غير مريحة، كما أنها تؤثر على الجهاز التنفسي وقد تسبب بعض أنواع الحساسية والتهابات في الجهاز التنفسي، كما تؤثر على الأغشية المخاطية بالإضافة إلى ذلك فإن أكاسيد النيتروجين وخاصة ثاني أكسيد النيتروجين تؤثر على نمو النباتات.

لون ثاني أكسيد النيتروجين بني محمر كما أنه يمتص بعض أشعة الشمس لذلك فإن وجوده في الهواء يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية ويساعد على تكون الضباب الدخاني Smog وذلك في وجود الملوثات الأخرى مثل الأوزون وأكاسيد الكبريت والهيدروكربونات التي تنتج من الاحتراق غير الكامل للوقود.

ويساعد ثاني أكسيد النيتروجين  في وجود ضوء الشمس على زيادة كمية الأوزون في الجو حيث يعطي ذرة أكسجين ويتحول إلى أكسيد النيتريك. وتتحد ذرة الأكسجين هذه مع غاز الأكسجين الجوي لتعطي الأوزون. أما التفاعلات الضوئية تعطي فوق أكسيد أسيتيل نيتريت وذلك في وجود الهيدروكربونات، حيث يؤثر فوق أكسيد اسيتيل نيتريت على الإنسان والكائنات الحية، كما أنه مادة مؤكسدة ويتفاعل مع الأكسجين ليعطي كمية إضافية من الأوزون.

الأوزون آثاره ضارة على الإنسان والحيوان مشابهة لتأثيرات ثاني أكسيد النيتروجين. كما أن للأوزون تأثيرات ضارة على النباتات. وكذلك يؤثر على بعض البوليمرات مثل المطاط وغيره حيث أن الأوزون مادة نشيطة تؤكسد كثيراً من المواد ويجب عدم الخلط بين أضرار الأوزون القريب من سطح الأرض وبين فوائد الأوزون الموجود في طبقة الستراتوسفير التي تبعد حوالي 24 كم عن سطح الأرض.

وتدل الدراسات على أن التفجيرات النووية وأكاسيد النيتروجين المتخلفة من الطائرات أو المتكونة أثناء التفريغ الكهربي في السحب الرعدية وكذلك مركبات الفلوروكربون المستخدمة في الأيروسولات، كل هذه الملوثات تعمل على خفض كمية الأوزون في هذه الطبقة، مما يزيد من خطر وصول تراكيز عالية من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض.

هنا يتضح أن أكاسيد النيتروجين لها دور مزدوج حيث تعمل على زيادة تركيز الأوزون بالقرب من سطح الأرض إذ أن تركيزه منخفض جداً بينما تعمل على تقليل تركيز الأوزون في الطبقات العليا مثل طبقة الستراتوسفير، التي تحتوي على الأوزون بتراكيز عالية.

 الضباب الدخاني Smog

إن وجود ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية ويساعد على تكون الضباب الدخاني Smog وذلك في وجود الملوثات الأخرى مثل الأوزون وأكاسيد الكبريت والهيدروكربونات التي تنتج من الاحتراق غير الكامل للوقود. وكمثال على تكون الضباب الدخاني هو ما يحدث في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية حيث ينطلق يومياً في الهواء 750 طن من أكاسيد النيتروجين و 250 طن من مواد هيدروكربونية والناتج المرئي للتفاعلات الضوئية لهذه الملوثات هو الضباب الدخاني.

وعلى الرغم من أنه لا توجد دلائل تشير إلى أن الضباب الدخاني يؤثر على صحة الإنسان إلا أنه لا يستبعد أن زيادة تركيز بعض الكيميائيات في الضباب الدخاني تسبب أضراراً بالغة. فمثلاً يسبب الأوزون أضراراً بالغة في الجهاز التنفسي وهو أحد مكونات الضباب الدخاني عندما يوجد بتراكيز قليلة تصل إلى واحد جزء في المليون وذلك عندما يبقى لمدة 8 ساعات في اليوم ولمدة عام. وكلما زادت المواد المؤكسدة في الضباب الدخاني كلما زاد ضرره.

سادساً: الهيدروكربونات Hydrocarbons

وهي مركبات مكونة من الهيدروجين والكربون مثل الميثان والغيثان والبروبان والبيوتان وغيرها. وهي المكون الرئيسي للبترول وتنشأ من الاحتراق غير الكامل لوقود السيارات والمصانع ولها أضراراً على الصحة كما أنها تسبب الضباب الدخاني.

وأكثر الهيدروكربونات الملوثة للبيئة هو البنزوبيرين الذي يسبب السرطان. ويتكون من احتراق مكونات البترول وخاصة الثقيلة مثل الزيوت والقار كما يوجد في دخان السجائر (التبغ) وفي قطران الفحم.

سابعاً: المعادن الثقيلة Heavy Metals

يحصل تلوث الهواء والماء بالمعادن الثقيلة من جراء انفجار البراكين ومن المبيدات الحشرية والفطرية المحتوية على العناصر الثقيلة. وكذلك يحصل التلوث بها عن طريق المخلفات الصناعية ومن مخلفات الوقود في المصانع ووسائل النقل.

وإن مركبات الكادميوم والنحاس والكروم والكوبلت والنيكل والزنك والزرنيخ والبريليوم وغيرها من العناصر الثقيلة التي تلوث البيئة إلا أن الزئبق والرصاص تعتبر من أكثر العناصر الثقيلة الملوثة للبيئة.

(أ) الزئبق Mercury:

يؤثر بخار الزئبق على الجهاز العصبي المركزي، ولمركبات الزئبق خصائص سامة ويلوث الزئبق الهواء عن طريقة صناعة الزئبق وبعض المبيدات الفطرية التي تحتوي على معدن الزئبق وكذلك صناعة الأصباغ.

وعلى سبيل المثال تلقي الصناعات الأمريكية أكثر من 500 طن سنوياً من مركبات الزئبق في المسطحات المائية. وعلى الرغم من أن الحد المسموح به هو 0.5 ppm جزء في المليون ، إلا أن تركيز الزئبق وصل في بعض الشواطئ في خلايا الكائنات المائية الحية مما يؤثر عليها ويصل تأثيرها إلى المستهلك النهائي لها وهو الإنسان.

ويشار إلى أن  مركبات الزئبق بشكل عام سامة.

 (ب) الرصاص Lead

** يعتبر الرصاص ومركباته مواداً سامة ولها أضراراً صحية مختلفة. والمصدر الرئيسي لتلوث الهواء بمركبات الرصاص هو عوادم السيارات حيث تصل كمية الرصاص الناتجة من السيارات حوالي 500 ألف طن في السنة وهذا يمثل أكثر من 90% من  الرصاص الملوث للهواء.

وأجريت دراسة في مدينة الرياض عام 1403هـ بينت أن تركيز الرصاص يقع بين 3 إلى 6 ميكروجرام/م3 وهو ضعف النسبة المسموح بها على مدار السنة. وإن سبب ذلك هو احتواء وقود السيارات على رباعي الكيل الرصاص الذي يوضع لرفع رقم الأوكتان للبنزين. حيث يتحول رباعي الكيل الرصاص إلى أكاسيد وأملاح الرصاص عند احتراق الوقود في المحرك وهذه تتحول في الهواء إلى كربونات الرصاص التي تنتشر على شكل جسيمات صغيرة سامة يحملها الهواء.

لذلك فإنه يستخدم ميثيل ثالثي بيوتل إيثر لرفع رقم الأوكتان لوقود السيارات بدلاً من رباعي الكيل الرصاص والتي تشمل رباعي ميثيل الرصاص ورباعي إيثيل الرصاص التي ثبت ضررها على تلوث البيئة وصحة الأنسان.

إن عملية رفع رقم الأوكتان هو إدخال مواد وضبط نسب مكونات البنزين (وقود السيارات) بحيث يعطي عن الاستخدام الأداء الأمثل كوفود من ناحية الاحتراق الكامل وتقليل عدد الخبطات في المحرك. وهنا تجدر الإشارة أن رقم أوكتان البنزين الخام لا يتعدى في أغلب الأحيان 55% إلى 65% والمطلوب رفعه إلى 83.5%  للبنزين العادي و 95% للممتاز.

وقد عدلت المصافي في بعض الدول عن إضافة مركبات الرصاص إلى البنزين واستبدل بها ميثيل ثالثي بيوتل ايثر. ومن أمثلة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية كما تقرر مؤخراً إنشاء مصنع تابع لشركة سابك في المملكة العربية السعودية لإنتاج 500 طن سنوياً من هذه المادة.

ثامناً: الجسيمات Particles

الجسيمات هي عبارة عن جسيمات صغيرة جداً يتراوح قطرها بين جزء من المئة من الميكرون إلى 500 ميكرون. وتتكون من الأتربة الصناعية والطبيعية وحبيبات الرمال والدخان (مؤلف من جزيئات الكربون والمعادن الثقيلة) والضباب وما يحتويه من أحماض وغيرها من الجسيمات الصغيرة.

والمصدر الرئيسي لها هو الأتربة الصناعية مثل السليكات المنتشرة من مصانع الإسمنت، كما أنها تنشأ من دخان ورماد الحرائق ومخلفات الاحتراق غير الكامل بالإضافة إلى ذلك فأنها قد تنشأ من مصادر طبيعية مثل حبيبات الرمال والأتربة التي تحملها الرياح وكذلك ما تقذفه البراكين من جسيمات يحملها الهواء.

تتساقط الجسيمات (وخاصة الكبيرة منها) من الهواء بعد عدة أيام على الأرض وذلك بتأثير الجاذبية، كما أن للمطر دوراً في أزالتها وتسبب بعض أمراض الحساسية. بالإضافة إلى ذلك فإن الجسميات لها دوراً في امتصاص أشعة الشمس مما يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الأرض، كما أنها تؤثر على المنشآت والنباتات ويختلف ضررها حسب نوعها ومصدها، فمثلاً الأتربة الناتجة من مصانع الإسمنت تكون طبقة صلبة على النباتات مما يسبب جفافها.

تاسعاً: المبيدات الحشرية Pesticides

هناك عدة طرق لنشر المبيدات الحشرية، فإذا كان الرش أو التضبيب هو الطريقة المستخدمة فإن جسيمات المبيدات الحشرية تعلق في الهواء ثم يحملها إلى مسافات بعيدة كما أن للمبيدات الحشرية خاصية التبخر.

ويعتبر د. د.ت  DDT من المبيدات الحشرية السامة والملوثة للبيئة بسبب ثباته وعدم تفككه لفترات طويلة لذلك فإنه لم يعد يستعمل كما كان من ذي قبل وقد استبدل بمركبات الفوسفات العضوية والكربامات. وتم استبدال الكيلات الزئبق كمبيدات للفطريات بمشتقات ألكوكسي وفينيل زئبق حيث أنها أقل ثباتاً ولا تدوم طويلاً وبالتالي تتفكك ويكون أثرها في تلوث الهواء أقل.

وللمبيدات الحشرية أهمية كبيرة في زيادة الإنتاج الزراعي وتتمثل في القضاء على الحشرات والفطريات والأعشاب الضارة، كما أن لهذه المبيدات آثاراً سيئة على تلوث البيئة سواءً الهواء أو الماء. فبعد رش النباتات بهذه المبيدات فأنها تصل إلى المسطحات المائية  عن طريق مياه الأمطار ومجاري المصارف.

إن المبيدات الحشرية تصل إلى المسطحات المائية مباشرة عند رش البحيرات أو الأنهار للقضاء على الحشرات. كما تصل إلى المسطحات المائية عن طريق الأمطار أو الرياح بعد رش الهواء للقضاء على الحشرات. وعند وصول هذه المبيدات إلى المسطحات المائية فإن ذلك يؤثر على الكائنات البحرية الحية سواء الحيوانية أو النباتية كما يؤثر على الطيور المائية.

وأثبتت الدراسات وجود هذه المبيدات في خلايا الكائنات البحرية الحية مما يؤدي في بعض الأحيان على موت هذه الكائنات وخاصة الأسماك. حيث تسبب المبيدات ضرراً مباشراً للإنسان من جراء تناول المواد الغذائية (النباتات) التي رشت بهذه المبيدات.